ويمكن أَن يكون الكلام مبنيًّا على أَكثر من جملة على معنى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ جملة، ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ جملة أُخرى، ويقابل ذلك ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾. ولعل الاحتمال الأول هو الأقرب إلى الفهم.
والمعنى: والذين آمنوا بالله وأَفردوه بالألوهية، وخصوه بالعبادة وآمنوا برسله جميعًا لم يفرقوا بين رسول ورسول، ولم يقولوا نؤمن ببعض ونكفر ببعض، ولم يتعصبوا لرسالة بعد موت رسولها وبعثة غيره غير رسالة محمد - ﷺ - فإنها هي الرسالة الخالدة الخاتمة - هؤلاءِ في منزلة الصديقين المبالغين في الصدق السابقين في الإيمان وفي كل خير، وفي منزلة الشهداء الذين بادروا إلى الشهادة، واستشرفوا إلى الاستشهاد في سبيل الله - تعالى - لهم ما للصديقين والشهداء في المنزلة من علو المرتبة، ورفعة المحل، ومن الأَجر والنور - المعروفين بغاية الكمال وعزة المنال.
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ وهذا فريق يقابل فريق الذين آمنوا بالله ورسله، وضعا لفريق الجنة في النعيم، وفريق الكفر في الجحيم ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ (١).
والمعنى: والذين وصفوا بالكفر، والكذب والتكذيب، وجحدوا آيات الله، وكذبوا رسالات الرسل عنادًا وكفرًا أُولئك أصحاب الجحيم المقيمون فيها، الملازمون لها بحيث لا يفارقونها، ولا يجدون منها مخلصًا، ولا عنها معدلًا.