والمعنى: ما أصاب من مصيبة، وما وقع على الأرض من نوائب وأحداث كجدب أو نقص في الثمار والزرع، أو زلزلة أو غير ذلك ممَّا يقع على الأرض أو فيها من كوارث، أو في أنفسكم، من مرض أو كسور أو حروق، أو فقر أو موت أو غير ذلك ممَّا يجرى على الإنسان - ما أَصاب من شيءٍ من ذلك - إلاَّ وهو مكتوب مُثبت في علم الله أو في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الله الأَنفس أو المصائب أو الأَرض - إن ذلك الإثبات في علم الله أو في اللوح المحفوظ يسير سهل على الله لاستغنائه عن العُدَّة والْمُدَّة، وإن كان عسيرًا في ذاته أو على غير الله. وقد أخبركم الله بذلك، وأعلمكم به لكيلاَ تأْسَوْا وتحزنوا على ما فاتكم من نعم الدنيا، أو ممَّا ترجون لأَنفسكم ممَّا تظنونه خيرًا ولا تفرحوا بما أعطاكم الله - تعالى - منها فإن من علم أن كلَّ شيءٍ بقضاءٍ وقدر، يفوت ما قُدِر فواته، ويأْتى ما قُدِر إتيانه لا يُفْرط في جزعه على ما فات، ولا يُعظم فرحه بما هو آت.
وإذا كان في طبيعة الإنسان أن يحزن عند ضرة تنزل به، وأن يفرح عند منفعة تناله، فإن الذي ينبغي هو القصد والاعتدال في ذلك وأن يكون الحزن صبرًا، والفرح شكرًا، والمذموم من الحزن والفرح، أَن يكون الحزن جزعًا مجافيًا للصبر والرضا بالقضاء، وأَن يكون الفرح أَشرًا مطغيًا صارفًا عن الشكر والثناء. ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ أي: والله لا يحب كل متكبر على الناس متكاثر بأَمواله ونعمه عليهم - وكل من فرح بحظ من الذنب وعظَّم نفسه فقد اختال وافتخر، وتكبر على الناس.
٢٤ - ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾:
هذه الآية بيان لمعنى المختال الفخور وتوضيح لطبعه وسلوكه؛ فإن المغتر بالمال المختال المتكبر يضن به غالبًا شحًّا وبخلًا، ويأْمر غيره بذلك، ولما كان البخل بالمال والدعوة إلى إمساكه إعراضًا عن طاعة الله، وتنكبًا لطريق الهداية ختمت الآية بقوله - تعالى -: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾.
والمعنى: ومن يمسك المال معرضًا عن إنفاقه في سبيل الله لا يحرم إلاَّ نفسه ولا يضر غيرها فإنَّ الله غني عن إنفاقه وهو - سبحانه - محمود في ذاته لا يضره إعراض المعرضين