وأمَّا إبراهيم - عليه السلام - فلحواره مع أبيه، وقصته مع ولده وارتحاله إلى مكة به، وما تبع ذلك من نبع ماءِ زمزم، ثم ما كان من ابتلائه بأَمره بذبح ولده وافتدائه، وما بقى بعد ذلك ممَّا قيل في السعى بين الصفا والمروة، وما شرع في الأُضحية في شريعة محمَّد - ﷺ - وحسبه فوق هذا كلِّه أنه خليل الله.
والمعنى: ولقد كان من أَخبار إرسالنا الرسل أن أرسلنا نوحًا وإبراهيم، وأَوحينا إليهما، وجعلنا في ذريتهما النبوة، فكل الأَنبياء من ذريتهما، وأنزلنا عليهم الكتب المقدسة التي تحفظ شريعتهم، وتفصل رسالتهم، وقال ابن عباس المراد بالكتاب: الخط بالقلم.
ثم قال - تعالى -: ﴿فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ أي: فمن هذه الذرية، أو من المرسل إليهم منتفع بهذه الرسالة مهتدٍ سائر على النهج السوى، مستجيب لدعوة رسوله، ملتزم بالعمل بها، وكثير منهم فاسقون خارجون عليها مجافون لها، متنكبون طريق الهداية والطاعة.
ولم تقل الآية: ومنهم "ضال" مقابل فمنهم "مهتد" على ما يقتضيه ظاهر المعادلة مبالغة في الذم؛ لأن الخروج عن الطريق المستقيم بعد الوصول إليه بالتمكن منه ومعرفته أبلغ في الضلال، وأَقبح منه على أَن قوله - تعالى -: ﴿وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾ يؤذن بغلبة أهل الضلال والفسق على غيرهم.
٢٧ - ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾:
لا تزال الآيات تتحدث عن إرسال الرسل بدءًا بنوح وإبراهيم - عليهما السلام - ونهاية بعيسى - عليه السلام - وصولًا إلى بعثة سيد الرسل وخاتم الأَنبياء سيدنا محمَّد - ﷺ -،