السماء أطًّا وحق لها أن تئط؛ ما فيها موضع قدم إلا وعليه ملك قائم أو راكع أو ساجد" والتشقق يحصل من أعلاهن بسبب ذلك، وقيل: من ادعاء الشريك والولد لله - سبحانه - كما في سورة مريم ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢)﴾ (١).
وأيد هذا بقوله - تعالى - بعد: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ﴾ وكان القياس أن يقال: يتفطرن من تحتهن، أي: من الجهة التي جاءت منها كلمة الكفر؛ لأنها جاءت من الذين تحت السماء، ولكنه بولغ في ذلك فجعلت مؤثرة في جهة الفوق. كأنه قيل: تكاد السموات يتفطرن من فوقهن، أما الجهة التي تحتهن فحصوله بطريق الأولى.
﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ خضوعًا لما يرون من عظمته، وتنزيها عما لا يليق به ملتبسين بحمده. وقيل: يتعجبون من جرأَة المشركين، فذكر التسبيح موضع التعجب وعن علي - رضي الله عنه - أن تسبيحهم تعجب مما يرون من تعرض المشركين لسخط الله ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ بالسعى فيما يستدعى مغفرتهم من الشفاعة والإلهام وترتيب الأسباب المقربة إلى الطاعة، واستدعاء تأْخير العقوبة طمعًا في إيمان الكافر. وتوبة الفاسق وهذا يعم المؤمن والكافر، وقال السدى وقتادة: المراد بقوله: (لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) المؤمنون لقوله - تعالى - في سورة غافر: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ (٢) وعلى هذا تكون الملائكة هنا حملة العرش، وقيل المراد جميع ملائكة السماء وهو الظاهر من قول الكلبي، وحيث خص من في الأرض بالمؤمنين فيكون المراد من الاستغفار الشفاعة، أو حقيقة الدعاء.
(أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} إذ ما من مخلوق إلا وله حظ عظيم من رحمته - تعالى - وإنه سبحانه لذو مغفرة للناس على ظلمهم، وفيه إشارة إلى قبول استغفار الملائكة - عليه السلام - وأَنه - سبحانه - يزيدهم على ما طلبوه من المغفرة والرحمة مع زيادة تقرير لعظمته تعالى، وبيان لكمال تقدسه عما نسب إليه بترك معاجلتهم بالعقاب على تلك الكلمة الشنعاء بسبب استغفار الملائكة وفرط غفرانه.

(١) سورة مريم الآيات ٩٠، ٩١، ٩٢.
(٢) سورة غافر من الآية ٧.


الصفحة التالية
Icon