والمراد بالإيحاء إليه - ﷺ - إما الإشارة إلى ما ذكر في خصوص هذه السورة من مثل
قوله - تعالى - في صدرها: (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) ومن
قوله - تعالى - في ختامها: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا) وإما ما يعمها وغيرها من مثل ما وقع في سائر المواقع من القرآن الكريم التي من جملتها: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ وقوله - تعالى -: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾، وغير ذلك كثير في القرآن الكريم.
وتخصيص الرسول بذكر الإيحاء، وإيثاره على ما قبله وما بعده من التوصية لمراعاة ما وقع في الآيات المذكورة وغيرها من مثل قوله - تعالى -: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ وقوله - تعالى -: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا﴾ مما جاء في هذه السورة بخصوصها، ولما في الإيحاء من التصريح برسالته - ﷺ - والالتفات إلى "نون" العظمة في قوله - تعالى -: ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ لإظهار كمال العناية بإيحائه.
وقوله - تعالى -: ﴿وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ معناه - على ما اختاره غير واحد من الأجلَّة عَام شامل للنبي - ﷺ - وأتباعه وللأنبياء والأُمم قبلهم، أي: لا تختلفوا في أصل من أُصول الدين وقوله - جل شأْنه -: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ (١).
ولا يشمل هذا النهي الاختلاف في الفروع فإنها ليست من الأصول المرادة هنا، ولم يجمع النبيون على الاتفاق فيها، أو يتحتم دينًا الاتفاق عليها كما يؤذن بذلك قوله - تعالى -: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ (٢).
قال مجاهد: لم يبعث نبى إلا أمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والإقرار باللهِ - تعالى - وطاعته - سبحانه - وذلك إقامة الدين.
ومعنى الآية: شرعنا لكم ما وصينا به نوحا، وما أوحيناه إلى نبيكم، وما وصينا به الأَنياء قبلكم - شرعنا - لهم دينا واحدا في الأصول، وهي: التوحيد، والصلاة، والزكاة

(١) سورة النساء الآيتان ١٥٠، ١٥١.
(٢) سورة المائدة من الآية ٤٨.


الصفحة التالية
Icon