السابقة عليها، وقيل: معناه أن الأُولى تقتضى علمًا والثانية تقتضى علمًا، فبضم الثانية إلى الأُولى يزداد الوضوح، ومعنى أُخوة الآية للأُخرى أنها قريبة منها في المعنى، ومشاكلة لها فيه.
وقد ختم الله الآية بقوله: ﴿وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي: وأَخذناهم بالعذاب المتدرج المتكرر الذي تشتمل عليه تلك الآيات، لكي يرجعوا عما هم فيه من الكفر، ولم نعاجلهم بالعذاب المستأصل.
٤٩ - ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ﴾:
نادوا موسى في الأعراف باسمه، كما حكاه الله تعالى فيها بقوله: ﴿وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ (١) ونادوه هنا بقولهم: ﴿يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ﴾ ويحمل ذلك على أنهم نادوه مرة باسمه، ونادوه مرة أُخرى بـ ﴿يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ﴾ أو أَن فريقًا منهم ناداه بغير ما ناداه به فريق آخر.
وكان علم السحر هو العلم العظيم عندهم، وكانوا يعظمون السحرة لذلك، فنادوه بـ ﴿يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ﴾ تعظيمًا له، فكأنهم قالوا: يأيها العالم، قال ابن عباس: ﴿يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ﴾ يا أيها العالم، وهذا هو رأى الجمهور.
وقيل: هو من قولهم: ساحَرْتُه فسحرتُه، أي: غلبته بالسحر، كما يقال: خاصمته فخصمته، أَي: غلبته في الخصومة، وعلى هذا يكون معنى الآية: يا أيها الذي غلبنا بسحره، وقيل: خاطبوه بما كانوا يخاطبونه من قبل، وكان مقتضى طلبهم منه رفع الرِّجز عنهم بدعاء ربه أن لا يخاطبوه بذلك، إلَّا أنهم سبق لسانهم إلى ما تعودوه في خطابهم له، وقيل غير ذلك، والمعنى الأول أرجح.
ومعنى الآية: يأيُّهَا العالم: ادع لنا ربك بما أخبرتنا عن عهده إليك أننا إن آمنا يكشف عنا العذاب - ادعه - لينفذ وعده؛ إننا لمهتدون مستقبلا بعد زوال العذاب.

(١) الآية: ١٣٤.


الصفحة التالية
Icon