ولمَّا حلت عقدته كان يناظر فرعون ويقيم عليه الحجة، وكان أخوه هارون - عليهما السلام - يصدقه ويؤازره في مناظرته ودعوته.
٥٣ - ﴿فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ﴾:
قال القرطبي: إنما قال ذلك لأنه كان عادة الوقت وزى أهل الشرف، ثم نقل عن مجاهد وله: كانوا إذا سوَّدوا رجلًا (١) سوروه بسوارين، وطوقوه بطوق من ذهب علامة لسيادته، فقال فرعون: هلَّا ألقى رب موسى عليه أسورة من ذهب إن كان صادقًا.
والمعنى: هلَّا جعل رب موسى لموسى أسورة من ذهب ليستحق السيادة والشرف الذي يدعيه، أو ضمّ إليه الملائكة التي يزعم أنها عند ربه، حتى يتكثر بهم ويصرفهم علي أمره ونهيه، فيكون ذلك أهيب في القلوب وأدعى إلى تصديقه، يريد فرعون بهذا الكلام أن رسل الله ينبغي أن يكونوا كرسل الملوك، تبدو عليهم مظاهر الرياسة وتكون معهم حاشية تقوى رسالتهم وتعظم شأنها، ولم يعلم أن رسل الله إنما أُيدوا بالجنود السماوية، وكل عاقل يعلم أن حفظ الله لموسى مع تفرده ووحدته - حِفْظَه - من فرعون مع كثرة أتباعه وقوتهم، وأن إمداد موسى بالعصا واليد البيضاء من غير سوء وغيرهما من المعجزات، كان أبلغ من أن يكون له أسورة من ذهب أو ملائكة تكون له حاشية وأعوانًا دليلًا على صدقه.
وليس يلزم للرسل ما ذكره فرعون؛ لأن الإعجاز كاف، وقد كان من الجائز أن يُكذِّب موسى مع وجود الأسورة الذهبية وحضور الملائكة، كما كذبه مع ظهور الآيات.
وذكر فرعون الملائكة حكاية عن لفظ موسى بأن لله ملائكة، وليس عن عقيدة، لأن من لم يعرف خالقه لا يؤمن بأن له ملائكة.