﴿فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا﴾ أي: فلا تشكّن في قيامها.
﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾: ظاهر العداوة لكم.
التفسير
٥٧ - ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾:
نزلت هذه الآية والتي بعدها بيانًا لعناد قريش بالباطل والرد عليهم. وقد روى أن الضارب لهذا المثل عبد الله بن الزِّبعرى السلمى قبل إسلامه، قال للنبي - ﷺ - وقد سمعه يقرأ قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ (١)... الآية.
أهذا لنا ولآلهتنا أم لجميع الأُمم؟ فقال - عليه السلام - هو لكم ولجميع الأمم، فقال: خصمتك ورب الكعبة، أليس النصارى يعبدون المسيح وأنت تقول عنه: كان نبيًّا وعبدًا صالحًا من عباد الله؟ فإن كان في النار فقد رضينا أَن نكون وآلهتنا معه، فعجبت قريش من مقالته وظنوا أن الرسول - عليه السلام - قد ألزم الحجة فضجوا وارتفعت أصواتهم فرحًا وبهجة، وذلك معنى قوله تعالى: ﴿إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾ فأنزل سبحانه عندئذ قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ (٢) ردا عليهم وتقبيحًا لقولهم.
وحاصل المعنى: ولما ضرب ابن الزِّبعرى عيسى بن مريم مثلا وحاجك أيها الرسول بعبادة النصارى إياه إذا قومك من ذلك المثل ولأجله ترتفع لهم جلبة، ويعلو منهم ضجيج وضحك حيث زعموا أن ابن الزبعرى ألزمك الحجة. فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾ الآية تأييدًا وإبطالًا لحجته؛ لأن عيسى - عليه السلام - من الذين سَبَقَت لهم الحسنى فأُبعدوا عن النار، والحجة إذا كانت تسير سير الأمثال شهرة قيل لها: مثل. وقريءَ ﴿يَصِدُّونَ﴾ بضم الصاد، من الصدود بمعنى الإعراض، وروى ذلك عن علي - كرم الله وجهه - والمعنى عليها: إذا قومك يعرضون عن الحق بالجدال كحجة داحضة واهية.
(٢) سورة الأنبياء الآية ١٠١.