لأَن الله تعالى لم يبعث نبيًّا إلاَّ في أَحساب قومه، وأَشرف أَنسابهم، جامعًا لأَنواع المحامد، وكريم المنافع.
١٨، ١٩ - ﴿أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨) وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾:
هذا مقول على لسان موسى - عليه السلام - لفرعون وقومه.
والمعنى ﴿وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ﴾ وطلب منهم فقال: ﴿أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ﴾ أَي: أَطلقوا معى بنى إسرائيل، وخلصوهم من الاستعباد والذُّل، والعذاب والتسخير، فهو كقوله تعالى: ﴿فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ (١) والتعبير عنهم بعباد الله للإشارة إلى أَن استعبادهم ظلم وطغيان، ويجوز أَن يكون المعنى: أَدوا إلي ما آمركم به، وأَدعوكم إليه من الإيمان. وقبول الدعوة، فيكون المقصود بعباد الله قوم فرعون.
وقوله - تعالى -: ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ تعليل لوجوب المأْمور به، أَي: أَدوا إِلي مما أَدعوكم إليه، فإِني رسول من الله، أمين على ما أُؤَديه، وأدعوكم إليه، قد ائتمننى ربي - جل شأْنه - على وحيه وصدقنى بالآيات الباهرة، والمعجزات الظاهرة.
﴿وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ أي: أَدُّوا إلى عباد الله ولا تتجبروا ولا تتكبروا على الله بالاستعلاء على أَمره، والاستهانة بوحيه ورسوله، لأَنى آتيكم من جهته - تعالى - بسلطان مبين، وحجة واضحة في ذاتها. موضحة صدق دعواى لا سبيل إلى إنكارها، ولا إلى الإنكار عليّ في تبليغها.
وقال قتادة: "لاَ تبغوا عَلَى الله" وقال ابن عباس: "لا تفتروا على اللهِ" والفرق بين البغى والافتراء أَن البغْىَ بالفعل والافتراءَ بالقول.
وفي ذكر الأَمين بعد الأَمر بالأَداءِ، والسلطان بعد النهي عن العلو والاستكبار - فيه - من روعة الأُسلوب وجزالة التنسيق ما لا يخفى.