لا يتذكرون بذكر أحوال الأمم الخالية، ولا بالإخبار بإتيان الساعة وما فيها من عظائم الأهوال فقد جاء أشراطها، وظهرت أماراتها فلم يرفعوا لها رأسًا، ولم تنبه فيهم غافلا، ولم يعدوها من مبادئ إتيانها مع مشاهدتهم لها كانشقاق القمر، وغير ذلك من الأشراط التي أهمها بعثة الرسول - ﷺ - ولهذا جاء في أسمائه أنه نبيّ التوبة، ونبي الملحمة، والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه، وقال البخاري: حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا أبو رجاء حدثنا سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله - ﷺ - قال بأصبعيه هكذا بالوسطى والتي تليها: "بعثت أنا والساعة كهاتين".
وقوله تعالى: ﴿فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ معناه: فكيف للكافرين المنكرين الانتفاع بالتذكير إذا جاءتهم القيامة، وأى سبيل لهم إليه؟ وهر حكم بخطئهم وفساد رأيهم في تأخير التذكر إلى إتيانها ببيان استحالة نفعه حينئذ كقوله - تعالى -: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى﴾. (١)
١٩ - ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾:
قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ أمر مسبب عن مجموع القصة من مفتتح السورة حتى هنا، على معنى: إذا علمت أن الأمر كما ذكر من سعادة هؤلاء وشقاوة أولئك فاثبت على ما أنت عليه من العلم بوحدانية الله، فهو من موجبات السعادة ولا يهمك كفر هؤلاء بوحدانيته، فقلوب العباد ونواصيهم بيده، ومصادر الأمور ومواردها بأمره، يضل من يشاء ويهدى من يشاء، ولا يقع في ملكه إلا ما يريد، واستغفر لذنبك، وتضرع إلى الله أن يغفر لك في كل حال ما هو دونه، فقد ذكر العلماء أن لنبينا - عليه الصلاة والسلام - في كل لحظة عروجًا إلى مقام أعلى مما كان فيه، فيكون ما عرج منه في نظره الشريف ذنبًا بالنسبة لما عرج إليه فيستغفر منه، وحملوا على ذلك قوله - عليه الصلاة والسلام -: "إنه ليران على قلبى".

(١) سورة الفجر، من الآية: ٢٣.


الصفحة التالية
Icon