٢٣ - ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾:
الإشارة في ﴿أُولَئِكَ﴾ للمخاطبين في قوله تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ﴾ بأسلوب الالتفات تحقيرًا لشأنهم، وحكاية لفظائع أحوالهم.
والمعنى: أولئك المذكورون آنفًا لعنهم الله فطردهم من رحمته، وأبعدهم عن مغفرته فأذهب أسماعهم لتصامِّهم عن سماع الحق، والإذعان له، وأعمى أبصارهم لتعاميهم عن مشاهدة الآيات الكثيرة الماثلة في أنفسهم، وفي الآفاق المنصوبة حولهم، فعلوا كل ذلك باختيارهم فتركهم الله ولم يُنقذهم، وأبقاهم في صممهم عن آيات الحق، وعماهم عن دلائله.
٢٤ - ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾:
أي: أغفل هؤلاء، وضلوا فلا يتدبرون القرآن، ولا يراجعون ما فيه من المواعظ والزواجر حتى يُخلصوا في إيمانهم، ويمتثلوا أمر الله بالجهاد كما امتثله المؤمنون، إنهم لم يتدبروا ولم يتفكروا، بل قلوبهم مقفلة محكمة الغلق بالأقفال والمغاليق، فلا يكاد يصل إليها ذكر، ولا يتحرك فيها تأمل أو فكر فتحولوا عن التفكر إلى الطمس والتحجر.
وتنكير القلوب: إما لتهويل حالها بإبهام أمرها في القساوة والجهالة فهي قلوب منكرة لا يُعْرَف مثل حالها، ولا يُقادر قدرها في الغفلة والجمود، وإما لأن المراد منها قلوب بعضهم، فالتنكير للتقليل.
وإضافة الأقفال إلى القلوب للدلالة على أنها أقفال مخصوصة بها مناسبة لحالها من القسوة والفظاظة غير مجانسة لسائر الأقفال المعهودة.
واستدل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بالآية على منع بيع الجارية إذا ولدت، أخرج الحاكم وصححه وابن المنذر عن بريدة قال: كنت جالسًا عند عمر إذ سمع صائحًا، فسأل، فقيل: جارية من قريش تباع أمها، فأرسل يدعو المهاجرين والأنصار، فلم تمض ساعة حتى امتلأت الدار والحجرة، فحمد الله - تعالى - وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: