التفسير
١ - ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾:
المعنى: إنا فتحنا لك يا محمد فتحًا عظيما بينا ظاهرا بانتصار الحق وأصحابه وخذلان الباطل وأربابه، وقال قتادة: معناه: حكمنا وقضينا لك قضاء بينًا على أهل مكة أن تدخلها أنت وأصحابك من قابل لتطوفوا بالبيت الحرام، يعني في عمرة القضاء.
فالفتح على هذا من الفتاحة: وهي الحكومة.
وقوله - تعالى -: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ هو إخبار عن صلح الحديبية عند الجمهور سنة ست من الهجرة وروى ذلك عن ابن عباس وأنس، قال ابن عطية: وهو الصحيح. وقال الزهرى: لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية، اختلط المشركون بالمسلمين وسمعوا كلامهم، وتمكن الإِسلام من قلوبهم، وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير، وكثر، بهم سواد الإِسلام قال القرطبي: فما مضت تلك السنون إلا والمسلمون قد جاءوا إلى مكة في عشرة آلاف ففتحوها.
وقد خفى كون ما في الحديبية - فتحًا على بعض الصحابة حتى بيَّنه - عليه الصلاة والسلام -.
أخرج البيهقي عن عروة قال: أقبل رسول الله - ﷺ - من الحديبية راجعا فقال رجل من أصحاب رسول الله: والله ما هذا بفتح، لقد صُدِدْنا عن البيت وصُدَّ هدينا، وعكف رسول الله بالحديبية، وردَّ رجلين من المسلمين خرجا، فبلغ رسول الله - ﷺ - ذلك - فقال: "بئس الكلام هذا، بل هو أعظم الفتح، لقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم ويسألونكم القضية، ويرغبون إليكم في الأمان، وقد كرهوا منكم ما كرهوا، وقد أظفركم الله عليهم، وردكم سالمين غانمين مأجورين فهذا أعظم الفتح، أنسيتم يوم أُحُد؟ إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم؛ أنسيتم يوم الأحزاب؟ إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم، وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا"؟ قال المسلمون: صدق الله ورسوله، هو أعظم الفتوح، والله يا نبي الله ما فكرنا