إنما يُعاهدون الله؛ لأنّ المقصود من بيعة الرسول وإطاعته: إطاعة الله - تعالى - وامتثال أوامره لقوله - تعالى -: ﴿من يُطِع الرسول فقد أطاع الله﴾ (١).
﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾: استئناف مؤكد لما قبله، والمراد بيد الله: قدرته ونصره، أي: قدرة الله معك وتأييده فوق قدرتهم وتأييدهم، فَثِق بنصرة الله - تعالى - قبل نصرتهم وإن صدقوا في مبايعتك. والسَّلف يأخذون بظاهر الآية كما جاءت مع تنزيه الله - تعالى - عن الجوارح وصفات الأجسام، وكذلك يفعلون في جميع المتشابهات يقولون: إن معرفة حقيقة ذلك فرع معرفة حقيقة الذات، وأنّى ذلك وهيهات هيهات!!
﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ أي: فمن نقض عهدك بعد ميثاقه ورجع في بيعته بعد تأكيدها وتوثيقها فلا يرجع وبال نقضه إلاَّ على نفسه، ولا يعود ضرر نكثه إلا عليه ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ أي،: ومن أوفى بالعهد الذي عاهد عليه الله بإتمام بيعتك وألزم نفسه تحقيقها والقيام بأعبائها فسيُعطيه الله ثوابا بالغ العظم وهو الجنة وما يكون فيها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
من حديث البيعة: بعث الرسول - ﷺ - عثمان بن عفان - رضي الله عنه - إلى أشراف قريش بمكة يخبرهم أنه لم يأت لحرب وإنما جاء زائرا للبيت الحرام ومُعظِّما له، واحتبسته قريش عندها، وبلغ الرسول أن عثمان قد قُتِل فقال رسول الله: (لا نبرح حتى نُنَاجز القوم) ودعا الناس إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة على الموت في سبيل الله، أو على ألا يفرّوا من قريش، فبايع النَّاس ولم يتخلف أحدٌ من الحاضرين إلا الجد بن قيس أحد بني سلمة، فكان جابر يقول: لكأنِّى أنظر إليه لاصِقًا بإبْطِ ناقته قد صبأ إليها يستتر بها من النَّاس، وضرب الرسول بإحدى يديه على الأخرى مُبَايعا عن عثمان، وقال: "اللهم إنّ عثمان في حاجة الله - تعالى - وحاجة رسوله" ثم أتى رسول الله أن الذي كان من أمر عثمان باطل. اهـ: ملخصا بتصرف عن محمَّد بن إسحاق في السير وذكره ابن كثير.

(١) سورة النساء من الآية: ٨٠.


الصفحة التالية
Icon