في دينكم بلا قتال بل باختيارهم، فإن تستجيبوا لهذه الدعوة وتلبّوا أمر الله وداعى الجهاد يعظم الله لكم الأجر في الدنيا بالغنيمة، وحسن الأحدوثة والذكر، وفي الآخرة بالجنة، وإن تعرضوا عن الجهاد وتُصِمّوا آذانكم عن داعى الله كما أعرضتم من قبل عن الخروج إلى الحديبية يعذبكم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة لتضاعف جُرمكم. وهنا أمور:
١ - قال - تعالى -: ﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ﴾ كرر ذكرهم بهذا العنوان مبالغة في ذمهم وإشعارا بقبح التخلف وشناعة القعود عن الجهاد في سبيل الله ونصرة دينه.
٢ - اختلف المفسرون في هؤلاء القوم الذين سيدعون إلى قتالهم وهم أولوا بأس شديد على أقوال: فرجح الزمخشرى والآلوسى: أن المراد بهم بنو حنيفة قوم مسيلمة وأهل الردة الذين حاربهم أبو بكر - رضي الله عنه - لأن مشركى العرب والمرتدين هم الّذين لا يقبل منهم إلاَّ الإِسلام أو السيف عند أبي حنيفة، ومن عداهم من مشركى العجم وأهل الكتاب والمجوس تُقبل منهم الجزية، وعند الشافعى لا تقبل الجزية إلاَّ من أهل الكتاب والمجوس دون مشركى العجم والعرب (راجع الآلوسي والكشاف).
وعن عطاء والحسن: المراد بهم الفرس والروم، وفسر القائلون بهذا الرأى قوله - تعالى -: (أو يسلمون) بأو ينقادون؛ لأن الروم نصارى، وفارس مجوس يقبل منهم إعطاء الجزية، وعن قتادة: ثقيف وهوازن، وعن سفيان: هم الترك، وقيل: هم الأكراد (ابن كثير والكشاف).
٣ - ذكر الزمخشرى والآلوسى: أنه شاع الاستدلال بهذه الآية على صحة إمامة أبي بكر - رضي الله عنه - قال الآلوسي: والإنصاف أن الآية لا تكاد تصح دليلًا على إمامة الصديق - رضي الله عنه - إلاَّ إن صحّ خبر مرفوع في كون المراد بالقوم بني حنيفة (١)، ودون ذلك خرط (٢) القتاد (آلوسى).

(١) هم قوم مسيلمة الكذاب.
(٢) القتاد: شجر له شوك، وخرط القتاد: تنظيفه من الشوك.


الصفحة التالية
Icon