قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ (١)، وقال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ (٢)، تلك هي مهمة القرآن الأصلية، وقد وضحت سبل الهداية فيه: في عقائده وتشريعاته، وكانت مظاهر القدرة في الآيات الكونية فيه وسيلة من وسائل الاحتجاج للحق الذي جاء به (٣).
قال ابن القيم -رحمه الله-: " ولهذا كان أكمل الأمم علما أتباع الرسل وإن كان غيرهم أحذق منهم في علم الرمل والنجوم والهندسة... ونحوها من العلوم التي لما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بها وآثروها على علوم الرسل وما جاءوا به، وهي كما قال الواقف على نهاياتها الواصل إلى غاياتها: وهي بين ظنون كاذبة - وإنّ بعض الظن إثم - وبين علوم غير نافعة، نعوذ بالله من علم لا ينفع، وإن نفعت فنفعها بالنسبة إلى علوم الأنبياء كنفع العيش العاجل بالنسبة إلى الآخرة ودوامها" (٤).
فإشارة القرآن لبعض هذه المسائل المرتبطة بالعلوم التجريبية لم يكن هو المقصد الأول، ولم ينَزَّل القرآن من أجلها، أما المعلومات الدنيوية بما فيها العلوم التجريبية فإنها تجيء مرتبطة بالدلالة على حكم عقدي أو شرعي، فهي جاءت تبعًا وليس أصالةً؛ أي أن القرآن لم يقصد أن يذكرها على أنها حقيقة علمية مجردة، بل ليستدل بها مثلا: على توحيد الله وأحقيته بالعبادة، أو على حكم تشريعي، أو على إثبات اليوم الآخر، أما أهل العلم الحديث فهي مقصدهم الأول (٥).
(٢) إبراهيم: ١.
(٣) عناية المسلمين بإبراز وجوه الإعجاز في القرآن الكريم: ١٠٣، ومناهج البحث في العقيدة الإسلامية في العصر الحاضر: ١٤٧.
(٤) الصواعق المرسلة: ٣/ ٨٧٥ - ٨٧٦، باختصار.
(٥) انظر: نقد ما يسمى بالتفسير العلمي للقرآن: ١٥.