وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، قال: قال هكذا يعني أنه أخرج طرف الخنصر، قال أحمد: أراناه معاذ، قال: فقال له حميد الطويل: ما تريد إلى هذا يا أبا محمد؟ قال فضرب صدره ضربة شديدة. وقال: من أنت يا حميد؟ وما أنت يا حميد! يحدثني به أنس بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فتقول أنت ما تريد إليه"﴾ (١).
قال الإمام أحمد -رحمه الله-: " وهو الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش، وهو الذي كلم موسى تكليماً، وتجلى للجبل فجعله دكاً، ولا يماثله شيءٌ من الأشياء في شيءٍ من صفاته، فليس كعلمه علم أحد، ولا كقدرته قدرة أحد، ولا كرحمته رحمة أحد، ولا كاستوائه استواء أحد، ولا كسمعه وبصره سمع أحد ولا بصره، ولا كتكليمه تكليم أحد، ولا كتجلِّيه تجلِّي أحد" (٢).
وفي الآية أيضاً دليل على إثبات رؤية المؤمنين لربهم؛ لأن الله رتب الرؤية في هذه الآية على ثبوت الجبل، فقال - لموسى -عليه السلام- في بيان سبب عدم إجابته للرؤية - ﴿وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ﴾ (٣) إذا تجلى الله له ﴿فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ (٤).
فالله -عز وجل- لم ينسب موسى -عليه السلام- إلى الجهل بسؤال الرؤية، ولم يقل إني لا أرى، بل علق الرؤية على استقرار الجبل، واستقرار الجبل على التجلي غير مستحيل إذا جعل الله تعالى له تلك القوة، والمعلق بما لا يستحيل لا يكون محالا.
وهذا من أدلة رؤية المؤمنين لربهم، ولكنهم لا يرونه في الدنيا، وإنما يرونه في الآخرة، كما
(٢) مجموع الفتاوى: ٥/ ٢٥٧.
(٣) الأعراف: ١٤٣
(٤) الأعراف: ١٤٣