مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١).
وقد أمر الله -عز وجل- نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- أن يقول للمشركين ملزما لهم بما أثبتوه من توحيد الربوبية، على ما أنكروا من توحيد الإلهية: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ (٢).
ثم كان الجواب: ﴿قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ "فأي برهان أوضح من هذا على بطلان الشرك، وصحة التوحيد؟ "﴾ (٣).
وقد استدل الله بما على الأرض من بحار وأنهار وما في صفاتها من دلالة زائدة على دلالة وجود أعيانها، بتفرده سبحانه وتعالى بالإلهية فقال تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (٤)،"فصيغ هذا الاستدلال على أسلوب بديع إذ اقتصر فيه على التنبيه على الحكمة الربانية في المخلوقات وهي ناموس تمايزها بخصائص مختلفة واتحاد أنواعها في خصائص متماثلة استدلالاً على دقيق صنع الله تعالى، ويتضمن ذلك الاستدلال بخلق البحرين أنفسهما لأن ذكر اختلاف مذاقهما يستلزم تذكر تكوينهما.
فالتقدير: وخلق البحرين العذب والأجاج على صورة واحدة وخالف بين أعراضهما، ففي الكلام إيجاز حذف، وإنما قدم من هذا الكلام تفاوت البحرين في المذاق واقتصر عليه؛
(٢) الأنعام: ٦٣.
(٣) تفسير السعدي ص: ٢٦٠، ٣٦١، وانظر: التحرير والتنوير: ٧/ ٣٩٢، ١١/ ١٣٥.
(٤) فاطر: ١٢.