أما طي السماء:
فقد قال تعالى: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ (١).
ففي هذه الآية يخبرنا الله -عز وجل-: " أولاً: أنه مهما اتسع الكون وكثرت محتوياته وثقل وزرنه فهو لن يتكبر أو يستعصي على خالقه بل سيطويه في سهولة ويسر كما يطوي صاحب السجل صحائفه.
ويؤكد لنا العزيز القدير هذه الحقيقة في آية أخرى بقوله: إن ذلك على الله يسير، قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ (٢)، وفي آية أخرى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (٣).
ويشبه لنا ثانياً: الكون بالصحائف المستوية، وقد يكون الكون مستوياً فعلاً وهي الحالة بين الكون المنغلق والمنفتح عندما تكون كثافة الكون تساوي الكثافة الحرجة وهذا ما يرجحه كثير من الفلكيين. وقد يبدو لنا مستوياً -وإن كان حقيقة غير ذلك- بسبب عظمة الخالق.
وهنا نرى مدى قرب تشبيه الكون لصفحات السجل، استواء نراه في الكون من كل جانب حتى يخيل لنا أنه فعلاً مستوياً -وقد يكون كذلك- لاستواء الصحائف.
ويربط أذهاننا ثالثاً: بعملية انكماش الكون وانهياره فتشبيه طي الكون بطي الصحائف لهو تشبيه تفوق روعته أي وصف ولا يمكن أن يصدر إلا من الحكيم العليم الذي خلق هذا الكون، فبعد تمدد الكون واتساعه إلى ما هو عليه الآن -أو إلى ما سوف يصبح عليه في المستقبل- يطوي الخالق هذا الكون بكل ما فيه فيعود هذا الشيء الذي كبر واتسع إلى ما كان
(٢) العنكبوت: ١٩.
(٣) الروم: ٢٧.