من يشاء إلى صراط مستقيم، ومنه هدايتكم إلى هذه القبلة التي هي من ملة أبيكم إبراهيم، فلأي شيء يعترض المعترض بتوليتكم قبلة داخلة تحت ملك الله؟ لم تستقبلوا جهة ليست ملكا له، فهذا يوجب التسليم لأمره بمجرد ذلك، فكيف وهو من فضل الله عليكم وهدايته وإحسانه أن هداكم لذلك، فالمعترض عليكم معترض على فضل الله حسدا لكم وبغيا" (١).
وكذلك وقوعها موقع الدليل القوى لرد ودحض حجة المجادلين المعاندين بأقوى البراهين الرادعة الزاجرة، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (٢).
قال الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- في فوائد الآية: "ثم إن إبراهيم -عليه السلام- انتقل إلى أمر لا يمكن الجدال فيه، فقال: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾ ". ثم قال: "ومنها-أي الفوائد-: حكمة إبراهيم -عليه السلام- وجودته في المناظرة" (٣)، حيث آتى بالأدلة الواضحة التي لا تحتمل المعارضة فعجز المعارض عن الرد.
سابعاً: التنويع البديع في عرض الآيات الكونية لإقامة الحجة بها على الجاحدين، والإيضاح والتبيين؛ لأن تعدد أنواع الأدلة يزيد المقصود وضوحاً (٤)، ويكون سبباً لهداية من أراد الله له الهداية (٥).
فالتنوع والتعدد في عرض الآيات الكونية ينتج عنه انتفاء الملل والسأم لتعدد وتنوع ما

(١) تفسير ابن سعدي: ١/ ١٠٢.
(٢) البقرة: ٢٥٨.
(٣) تفسير القرآن الكريم، سورة البقرة لابن عثيمين: ٣/ ٢٨٠.
(٤) تفسير التحرير والتنوير: ٢٦/ ٥٤.
(٥) انظر: التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب للرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط١: ١٣/ ٢٠.


الصفحة التالية
Icon