الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
وفي هذا الربع يعود كتاب الله إلى الحديث بمنتهى القوة وبالحجج البالغة عن وحدانية الله، ووحدة الوحي الإلهي، ووحدة الرسالة السماوية، ووحدة الرسل والأنبياء جميعا، وكما أن الكون بسائر أصنافه وأشكاله وألوانه، وعلى اختلاف أنواعه، تتجلى فيه وحدة المكون وحكمته، من خلال نواميسه القائمة وسننه الثابتة، فعالم الإنسان الذي هو جزء لا يتجزأ من الكون لا يختلف عن هذه الحقيقة الكبرى، وما الوحي وما الرسالة وما الرسل إلا فرع من شجرة الوحدة الكبرى، وحدة الواحد الأحد الذي له الخلق والأمر، الخلق لجميع العوالم، والأمر لعالم المكلفين من بني آدم وغيرهم من بقية العوالم ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾.
وقد حمل كتاب الله بمنتهى الشدة على من يدعون الإيمان ببعض الرسل وبعض الكتب، وهم يكفرون ببقية الرسل والكتب، واصفا لهم بصفة الكفر المطلق، وبأنهم في الواقع يكفرون بجميع الرسالات والرسل ولا يؤمنون منها بشيء، إذ إن ظاهرة النبوة والرسالة، وظاهرة الوحي إلى الأنبياء والرسل، هي في الواقع ظاهرة واحدة متماثلة، ومتسلسلة، في موكب الأنبياء والرسل، من فاتحهم إلى خاتمهم.
وقصر الإيمان على البعض منهم دون الآخر لا يقضي به منطق، ولا يبرره أي برهان، وإنما هو أثر من آثار التعصب البغيض، والتقليد الأعمى، والهوى المتبع، وذلك قوله تعالى: {إِنَّ


الصفحة التالية
Icon