غرار قوله تعالى في آية أخرى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾.
وفي نفس هذا المعنى سبقت آية أخرى في سورة البقرة، وهي قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
ومعنى قوله تعالى: ﴿غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾. عند المحققين من المفسرين: غير طالب شرا ولا متجاوز حدا، فيدخل تحت لفظ الباغي كل خارج عن الإمام وقاطع للطريق ومن في معناهما، ويدخل تحت لفظ (العادي) كل من تجاوز حد الضرورة إلى حد الاختيار، ولأجل ذلك لا يستبيح العاصي بسفره رخص السفر، لأن الله تعالى إنما أباح ذلك عونا، والعاصي لا تحل إعانته، فإن أراد الانتفاع بالرخصة فليتب أولا، ثم ليترخص ثانيا.
ثم مضت الآيات الكريمة تشرح تساؤل المسلمين من جديد عن هذا الموضوع، وكأنهم أخذوا يتحرجون من أكل بعض الأشياء الأخرى التي اعتادوا أكلها قبل الإسلام، فهم يستفسرون الرسول ﷺ عنها لمعرفة حكم الله فيها، وذلك قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.
ومعنى هذا الجواب أن الله تعالى لم يحرم على المؤمنين شيئا من ﴿الطَّيِّبَاتُ﴾، وإنما حرم عليهم ﴿الْخَبَائِثَ﴾ وحدها: الخبائث بطبعها،