ومن هنا أخذوا يعدون لانتحال الأعذار، ولتقديم الاعتذار عن تخلفهم وقعودهم، فقد رد الله كيدهم في نحرهم، وعاملهم بنقيض قصدهم: ﴿يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ﴾ لكن الحق سبحانه وتعالى لقن رسوله والمؤمنين أحسن جواب يردون به على الصنف من المتخاذلين المخذولين، فقال تعالى: ﴿قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ﴾ أي لن نصدق اعتذاركم، فلم يبق مجال للاعتذار، بعد هتك الأستار.
ثم عقب كتاب الله على هذا الجواب المفحم والرد القاطع، فمضى يهدد المنافقين بمزيد الكشف عن نفاقهم، وتوجيه الأنظار إلى فضائحهم، قائلا: ﴿قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ﴾ فعن طريق الوحي اطلعنا على سرائركم وأسراركم، ومن كشف الله له السر بنور وحيه كيف يستره عنه الناس، بل كيف يقع ضحية التدليس والالتباس.
وخاطب الله المنافقين خطاب ترهيب فقال: ﴿وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾ فمهما كتمتم وسترتم، ومهما تآمرتم وأخفيتم، ومهما تقلبتم في البلاد، فإن الله ورسوله لكم بالمرصاد. أما الرسول عليه الصلاة والسلام فيطلع على نواياكم وطواياكم بواسطة مشعل الوحي الذي ينير له الطريق، ويعرفه بعناصر التخذيل والتعويق، وبذلك يرى عملكم ويعرف مرماه ومغزاه. وأما الحق سبحانه وتعالى فلا يغيب عن علمه من أمركم شيء، كبيرا كان ذلك الأمر أو صغيرا، جليلا أو حقيرا، بل هو يراكم على حقيقتكم، منافقين يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان، لا عقيدة


الصفحة التالية
Icon