مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} امتنان من الله تعالى على عباده المؤمنين، وتذكير لهم بخصائص الدعوة الإسلامية التي أوحى الله بها إلى خاتم الأنبياء والمرسلين، وما جاءت به هذه الدعوة السماوية من يسر وسماحة وبعد عن الحرج والعنت، وحرص شديد على هداية الخلق، والأخذ بيدهم إلى طريق الفوز والسعادة دنيا وأخرى، نوره كتاب الله بما امتلأ به قلب الرسول الأعظم من العطف على أمته والاهتمام بمصيرها، وبما تحمله من المتاعب في سبيل تبليغ الرسالة إليها وخفض جناحه لها.
ثم عقب على ذلك بما يفيد أنه إذا ضل المسلمون طريقهم، وهجروا كتابهم، وأهملوا شريعتهم، وعادوا إلى الجاهلية الأولى، مولين الأدبار، فإن رسول الله ﷺ يتبرأ من أعمالهم، ويكلهم إلى أنفسهم، ولا يغني عنهم من الله شيئا، وذلك قوله تعالى هنا في إيجاز وإعجاز ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ أي أدبروا ورجعوا عن التمسك بالإسلام وشريعته - ﴿فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ﴾ مصداقا لقوله تعالى في آية ثانية ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: ٣٠]، وقوله تعالى في آية ثالثة: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: ١٢٤]، وقوله تعالى في آية رابعة: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ [الشعراء: ٢١٥، ٢١٦، ٢١٧].