وعاد إلى طغيانه وإسرافه على أقوى وأشد ما يكون، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا﴾ أي أنه يلح في الدعاء ويكثر منه في جميع الأحوال وجميع الأوضاع التي يكون عليها جسمه، ليلا ونهارا، على غرار قوله تعالى في آية أخرى: ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾ [فصلت: ٥١] أي دعاء كثير لا ينتهي. ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾ أي أعرض عن الله وانصرف عن بابه، وقطع التعلق بجميع أسبابه. ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
والمراد بالإسراف هنا الإسراف في ارتكاب الذنوب، والإقبال على المعاصي بنهم وشهية وضراوة، حتى يصبح المذنب متبلد الإحساس، فاقدا للشعور، مطبوعا على قلبه، مغضوبا عليه من ربه.
وفي نفس هذا الربع وصف الله صورة ثانية من صور الضعف البشري والروح الانتهازية الهزيلة عند توقع النكبة أو عند حلولها، ثم ما يتلوها بعد النجاة منها من بغي وعدوان، وإعراض وطغيان، وذلك قوله تعالى هنا: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾. ومثل هذا المعنى ورد في قوله تعالى: {وَإِذَا


الصفحة التالية
Icon