دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ}، إذ جاءهم كتاب الله بما لم يعتادوه من الحقائق والمعاني والأساليب، وبما لم يسمعوا به من العقائد والشعائر والشرائع، فتنكروا له في بداية الأمر، جهلا منهم، ونفورا عن غير المألوف ﴿وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾ أي أن كثيرا من الحقائق والبشائر والإنذارات التي تضمنها كتاب الله كانت وقتئذ لم تبرز بعد إلى حيز الوجود، فاستعجلوا ظهورها، وطال عليهم أمد انتظارها، وداخلهم الشك في صحتها، فظنوا بالله الظنون ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
وها نحن في هذا القرن الرابع عشر الهجري قد رأينا من تأويل آياته البينات الشيء الكثير، وستحمل القرون القادمة في طياتها من تأويل آياته وتفسير معجزاته ما هو أكثر وأكبر وأبهر، ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾.
وختم هذا الربع بتذكير ما بعده تذكير، وتحذير ما فوقه تحذير، فحواه أن كل أمة ستعرض أمام الله بمحضر رسولها، ليكون شاهدا لها بما بلغ من رسالة، وشاهدا عليها فيما قامت به حيال تلك الرسالة، من طاعة أو عصيان، وتطبيق أو نسيان، وذلك قوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.


الصفحة التالية
Icon