بدليل أنَّ عليًا - كرَّم الله وجهه (١) - سمَّى أهل الشام مؤمنين في كتاب القضية (٢)، مع إنكارهم حقَّه وكفرانهم بعض نِعَمِ الله تعالى.
و ﴿سَوَاءٌ﴾ مصدرٌ أقيم مقام الصفة (٣)، أي: يستوي عندهم إنذارُك إياهم وتركُكَ إنذارَهُم، كقوله: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ﴾ (٤)، وقوله: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا﴾ (٥). والإنذار: إعلامٌ فيه تخويف (٦)، ويتعدى إلى مفعولين ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البتة إن أجرينا على الثلاثة، هان أجرينا على السبعة] (٧) لا يؤمنون في الحال؛ لأن بعضهم آمن من بعد، ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ طبع الله على قلوبهم.
والختم والطبع: الاستيثاق من المختوم حتى لا يخرج منه شيء ولا يدخله شيء، من ذلك ختم الصُّرَّة والكتاب (٨).
(٢) الذي ورد عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه سأل عن سب أهل الشام أو لعنهم فرفض ذلك، وقد وردت عنه روايات في مدح أهل الشام عمومًا. [انظر فضائل الشام للربعي ص ٤٢].
(٣) وهو الذي ذهب إليه الزمخشري في تفسيره بأن ﴿سَوَاءٌ﴾ اسم بمعنى الاستواء وصف به كما يوصف بالمصادر، وارتفاعه على أنه خبر لـ"إن"، وجملة ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ في موضع المرتفع به على الفاعلية. والتقدير: إن الذين كفروا مستوٍ عليهم إنذارك وعدمه. اهـ. وذهب بعضهم إلى أنه اسم غير صفة، فالأصل فيه أنه لا يعمل، ويكون ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ في موضع الابتداء، و ﴿سَوَاءٌ﴾ خبرًا مقدمًا، ويكون التقدير: إنذارك وعدمه سواءٌ عليهم، والجملة خبر "إنَّ" [الكشاف (١/ ١٥١)؛ الدر المصون (١/ ١٠٥)].
(٤) الشُعراء: ١٣٦.
(٥) إبراهيم: ٢١.
(٦) الإنذار: الإبلاغ، ولا يكون إلا في التخويف. والاسم: النُّذُر، ومنه قوله تعالى:
﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٦)﴾ أي: إنذاري. ففعيل بمعنى مفعل. [اللسان "نذر" (١٤/ ١٠١)؛ تفسير القرآن الكريم لشيخنا العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - (١/ ٣٦)].
(٧) ما بين [...] سقطت من "ب".
(٨) وحاصل الختم هنا أنه لمَّا شَبَّهَ عدم نفوذ الحق في قلوبهم وعدم سماعهم بالختم عليها =