وهو إظهار المحبوب مع إبطان المكروه. ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ بأن خداعهم راجع إلى أنفسهم. والشَّعْرَ هو: العلمُ الدقيقُ الذي يتولدُ من الفطنة، وهو من شَعَار القلب، ومنه سُمِّيَ الشاعر شاعرًا (١). ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ والمرض في القلب: ظلمةٌ فيه (٢). قال ابن عرفة (٣): مرضُ القلب: فتورُهُ عن الحق (٤).
وقيل: علةٌ فيه تمنعهُ عن الصواب ﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ على مرضهم (٥). وإنما نكّر الثاني لأنه غيرُ الأول.

(١) أي أنَّ الشَّعْرَ يطلق على العلم بدقائق الأمور وخفاياها، ومنه سمي الشاعر شاعرًا لعلمه بالمعاني التي لا يهتدي إليها كل أحد وقدرته على الوزن والتقفية والرَّوي. ومنه قولهم: "ليت شعري" أي ليتني علمت، ومنه قول الشاعر:
يا ليت شعري عن حماري ما صنع وعن أبي زيدٍ وكم كان اضْطَجَعْ
ومنه قوله تعالى: ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩] أي: وما يدريكم وما يعلمكم.
ومنه قول المتنخل الهذلي:
عَقُّوا بِسَهْمٍ فلم يَشْعُرْ به أَحَدٌ ثم اسْتَفَاءُوا وقالوا حَبَّذا الوَضَحُ
أي: لم يدرِ ولم يعلم به أحد.
ومعنى الآية- كما قاله ابن جرير- ما يشعرون أنهم ضَرُّوا أنفسهم بما أَسَرُّوا من الكفر والنفاق.
[تفسير الطبري ١/ ٢٨٦ - التحرير والتنوير ١/ ٢٧٨ - ديوان الهذليين ٢/ ٣١ - اللسان (شعر) ٧/ ١٣٢].
(٢) الأصل أن المرض يطلق ويراد به مرض البدن الحسي ثم استعمل في الأمراض المعنوية ألا وهو مرض القلب مرضًا اعتقاديًا، والمرض الذي في قلوبهم هو شكُّهم في أمر نبينا محمَّد عليه الصلاة والسلام وما جاء به من الحق، وهو الذي عليه عامة المفسرين أن المرض هو الشك، وبه قال ابن عباس - رضي الله عنهما - وابن مسعود - رضي الله عنه - وقتادة والربيع بن أنس وغيرهم. وما فسر به المؤلف من أن المراد بالمرض هو الظلمة التي في القلب هو تفسير ببعض اللازم إذ إن الشك هو بحد ذاته نوع من الظلمة التي تحيط بالقلب فيحجب عنه نور الإيمان، فيكون تفسير المؤلف للمرض لا يختلف تمامًا عن تفسير غيره وهو من باب اختلاف التنوع في التفسير. ولذا قال إمام اللغويين ابن فارس: المرض كل ما خرج به الإنسان عن حد الصحة من علة أو نفاق أو تقصير في أمر [تفسير القرطبي ١/ ١٩٧].
(٣) الحسن بن عرفة بن يزيد أبو علي العبدي البغدادي. ولد سنة خمسين ومائة. كان من علماء الحديث، ثقة. قال الذهبي: انتهى علو الإسناد إلى حديث الحسن بن عرفة وكان صاحب سُنَّة واتباع. توفي في سامراء سنة سبع وخمسين ومائتين.
[تاريخ بغداد (٧/ ٣٩٤)؛ السير (١١/ ٥٤٧)؛ الجرح والعديل (٣/ ٣١)؛ طبقات الحنابلة (١/ ١٤٠)].
(٤) ذكره أبو عبيد الهروي في (الغريبين) (٦/ ١٧٤٤).
(٥) أي هو إخبار من الله تعالى عن زيادة مرضهم وأن الله زادهم مرضًا إلى مرضهم كما قال في آية أخرى ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (١٢٥)﴾ [التوبة: ١٢٥] أي زادهم رَجَاسةً إلى رجاستهم.


الصفحة التالية
Icon