بِصِلَتِه (١)، وصلَتُهُ أولُ العاملَيْن، ولا يستقيم إلا بالعامل الثاني. تقول: لمَّا دعوتك أَجَبْتَني. وحَوْلُ الشيء: موضعُ حركتِهِ ومَبْدَأُ تَحَوُّلِهِ. ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾، أي أَذْهَبَ اللهُ نُورَهُم (٢) ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ﴾ شدائد جهنم (٣) ﴿لَا يُبْصِرُونَ﴾ لا يرون وجهَ الرَّجاء والفرج (٤). والنور: ما بين المحسوس والمعقول. والظُّلمة عَرَضٌ يفسخُهُ النورُ وينافيه.
وتمثيل مثل المنافقين بمثل المُسْتَوقد من حيثُ إِنَّ المستوقد طفئت نارُهُ وحبط عملُهُ لما طفئتْ. فكذلك المنافقون افْتُضِحُوا وحبط إظهارهُمُ الإيمان لِمَا تستروا به نفاقًا وتقيَّةً.
وقيل: إنها نزلت في أولئك المنافقين الذين أخلصوا ثُمَّ ارتابوا.

(١) مذهب سيبويه أن "لما" حرف وجوب لوجوب وعبارته التي في الكتاب (٢/ ٣١٢) للأمر الذي قد وقع لوقوع غيره. وزعم الفارسي وتبعه أبو البقاء كما في الإملاء (١/ ٢١) أنها ظرف بمعنى حين، وأن العامل فيها جوابها، وقد رُدَّ عليه بأنها أجيبت بـ "ما" النافية و"إذا" الفجائية ومنه قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا﴾ وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ و"ما" النافية و"إذا" الفجائية لا يعمل ما بعدهما فيما قبلهما فانتفى أن تكون ظرفًا، وهو جواب وَرَدٌّ لما ذكره المؤلف رحمه الله من أنها ظرف زمان.
[الدر المصون ١/ ١٥٩ - الإملاء ١/ ٢١ - الإيضاح ٣١٩ - الدرر ٢/ ٧٣].
(٢) فإن قال قائل: كيف ذهب الله بنورهم ولا نور لهم أصلًا؟ فالجواب - أن النور الذي كان لديهم هو ما أظهووه من الإِسلام وهو نوع نور - (قاله ابن جرير في تفسيره ١٥/ ٣٤٥ - والسمعانى في تفسيره ١/ ٤٠٨).
(٣) وافق أبو المظفر السمعاني المؤلفَ في تفسير هذه الآية فقال في قوله: ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ﴾: أي شدائد، لكن الذي عليه عامة المفسرين ومنهم ابن عباس - رضي الله عنهما - أن المراد بالظلمات ظلمات الكفر- أخرجه الطبري في تفسيره بسند حسن.
[تفسير الطبري ١/ ٣٤٥ - تفسير ابن كثير ١/ ٧٢ - تفسير أبي المظفر السمعاني ١/ ٤٠٨ - التفسير الصحيح حكمت بشير ١/ ١١٠].
(٤) عامة المفسرين فَسَّروا ﴿لَا يُبْصِرُونَ﴾ أي لا يبصرون الحق والهدى، وما فسر به المؤلف هو تفسير ببعض اللازم. ولعله أراد بالنور الحق والهدى فيحصل التطابق في تفسير الآية.
[تفسير ابن كثير ١/ ٧٢ - تفسير أبي المظفر السمعاني ١/ ٤٠٨].


الصفحة التالية
Icon