وهذا أقرب من الأول (١). وقيل: نزلت في اليهود؛ لأنهم نزلوا يثرب انتظار المبعث وكانوا يستنظرون باسم النبي - ﷺ - في وقائعهم، [﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾] (٢)، فإن صَحَّ هذا القول فإنها في المنافقين منهم دون الكل، لأنَّ دلالات النفاق ظاهرة فيما تقدم تقرير الآية، فلما أضاءت النار ما حول المستوقد طفئت. كقوله: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ﴾ (٣)، أي: فإذا أمنتم فاقضوا ما أحصرتم عنه.
وقوله: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ في المنافقين دون المستوقد. وإنما يذكر اقتباسَهُمُ النورَ أولًا ثم الذهاب بنورهم لأن المثل السابق دلَّ عليه فاكتفى بتلك الدلالة. وقيل: الضمير في قوله: ﴿بِنُورِهِمْ﴾ عائدٌ إلى المستوقد وأصحابه (٤). والمعتقد في الجملة ما هو عند الله تعالى.
﴿صُمٌّ﴾ من حيث لايستمعون إلى الحق. ﴿بُكْمٌ﴾ من حيث لا ينطقون بالحَق ﴿عُمْيٌ﴾ من حيث لا ينظرون إلى الحق ولا يلتفتون إليه (٥) ﴿فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ إلى الإخلاص [في الحال] (٦) لأنَّ بعضهم أخلص بعد

(١) يريد المؤلف أنهم أسلموا ثم كفروا - وهذا القول ردَّه ابن جرير في تفسيره وقال: إن هذا المثل ضربه الله - عَزَّ وَجَلَّ - للمنافقين الذين وصف صفتهم وقص قصصهم ابتداءً بذكرهم في قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ...﴾. وهذا التفسير مروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وقتادة والضحاك وغيرهم. [تفسير الطبري ١/ ٣٤١].
(٢) ما بين [...] ليست في (أ).
(٣) سورة البقرة: ١٩٦.
(٤) الضمير في ﴿بِنُورِهِمْ﴾ عائد على معنى ﴿الَّذِي﴾، وقيل إنه عائد على مضاف محذوف تقديره- كمثل أصحاب الذي استوقد - واحتاج هذا القائل إلى هذا التقدير من أجل أن يتطابق المشبه والمشبه به لأن المشبه جمع، فلو لم يُقَدَّر هذا المضاف وهو "أصحاب" لزم أن يشبه الجمع بالمفرد. [الدر المصون ١/ ١٦٣].
(٥) وهذا تفسير قتادة أخرجه ابن جرير في تفسيره (١/ ٣٤٨) وابن أبي حاتم في تفسيره (١/ ٥٣) وعبد بن حميد كما عزاه السيوطي في الدر المنثور (١/ ١٧٤).
(٦) ما بين [...] ليست في (ن).


الصفحة التالية
Icon