﴿الَّذِي﴾ أي هو الذي، ويقال: اعبدوا ويقال الذي جَعَلَ صَنَع وخَلَقَ (١)، وقيل: صَيَّر ﴿فِرَاشًا﴾ بساطًا ووطاءً ﴿وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾ سقفًا (٢)، مأخوِذٌ من السمو، وأراد به السماء المعروفة ذات البروج المزينة بالكواكب ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ﴾ من السحاب مطرًا.
والماء هو: الجسمُ اللطيفُ المُضادّ للنار بانحداره ورطوبته وبرودته. وهو في الأصل مَوَهٌ لأنّك تقول في الجمع والتصغير: أَمْواهٌ ومُوَيهٌ ﴿فَأَخْرَجَ بِهِ﴾ فأنبت وأبرز بالمطر من التراب من ألوان ﴿الثَّمَرَاتِ﴾ كما في قوله: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ (٣) ﴿رِزْقًا﴾ طعامًا ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾ أي: لا تَصِفُوا لله أمثالًا ونظراء (٤). ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنهم مخلوقون ومرزوقون لواحد قديم (٥).

(١) الجعل هنا المراد به الخلق. ويطلق الخلق ويراد به معنيين، المعنى الأول: إبداع الشيء واختراعه، وهذه الصفة لا تكون إلا لله، والمعنى الثاني: التقدير وهذه الصفة تكون لله ولغير الله. قال زهير:
وَلأنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ وَبَعْـ ضُ القومِ يَخْلُقُ ثم لا يَفْرِي
وقال العجاج: ما خلقتُ إلا فريتُ ولا وعدتُ إلا وَفَيْتُ.
[الدر المصون ١/ ١٨٨ - ديوان زهير ٩٤ - تفسير القرطبي ١/ ٢٢٦ - البحر المحيط ١/ ٩٣].
(٢) ومنه قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (٣٢)﴾ [الأنبياء: ٣٢]
وكل ما علا فأظل قيل له سماء. ويطلق السماء على المطر وذلك لنزوله من السماء، ومنه قول حسان بن ثابت:
ديارٌ من بني الحسحاس قَفْرُ تُعَفِّيهَا الروامِسُ والسماءُ
وقول معاوية بن مالك:
إذا سقط السماءُ بأرض قومٍ رَعَيْنَاهُ وإن كانوا غِضَابَا
[تفسير القرطبي ١/ ٢١٦].
(٣) سورة الحج: ٣٠.
(٤) الأنداد جمع نِدِّ، والنِّدُّ: العِدْلُ والمِثْلُ، ومنه قول حسان بن ثابت:
أَتَهْجوْهُ وَلَسْتَ له بِنِدٍّ فَشَرُّكُمَا لِخَيرِكُمَا الفِدَاءُ
وهذا تفسير قتادة ومجاهد وصح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وابن مسعود - رضي الله عنه - وناس من أصحاب رسول الله في قوله: ﴿أَنْدَادًا﴾ أي أَكْفَاءً من الرجال تطيعونهم في معصية الله.
(٥) وصف الله أو صفاته أو أفعاله بالقِدم فيه تفصيل. فإن أرادوا بالقِدَم: الشيء البالي الذي عفا عليه الزمن فهذا منتف عن الله - عَزَّ وَجَلَّ -. وان أرادوا بالقِدَم الأزلي الذي لا شيء =


الصفحة التالية
Icon