محذوفٌ وتقديره: نزلناه (١) إلاَّ أن الضمير في صلة الاسم الناقص المبهم يجوز حذفه لدلالة الحال عليه، كقوله: ﴿أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾ (٢) ﴿عَلَى عَبْدِنَا﴾ محمَّد - ﷺ -، وقوله: ﴿فَأْتُوا﴾ تحذيرٌ وإعجاز (٣)، كقوله: ﴿إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا﴾ (٤) الآية. وحدُّ الإعجاز هو: الإتيان بناقض العادة الخارج عن طوق مَن هو مثل صاحب المعجزة في الخلقة، وذلك الشيء يزينه ولا يشينه، ويكونُ برهانًا على صحة دعوى النبوة. وإنما وقع التحدي هاهنا بنظمٍ عجيبٍ بديع تضمّن (٥) معنى صحيحًا غير متناقضٍ ولا هزال فيسميه الفصحاء لطيبه وذوقه وبدو أحكامه: شعرًا أو سحرًا ولا يكون كذلك. ونظائره: ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ﴾ (٦) وقوله: ﴿فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾ (٧)، وقوله: ﴿لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ﴾ (٨) الآية و ﴿مِن﴾ زائدة (٩)، بدليل النظائر.

(١) يجوز أن تكون "مِنْ" للسببية أو ابتداء الغاية، ولا يجوز أن تكون للتبعيض، وعلى التقديرين يكون العائد محذوف التقدير- نزلناه - كما ذكره المؤلف. وأما "ما" فيجوز أن تكون موصولة أو نكرة موصوفة والعائد والصلة في كلا القولين محذوف يكون التقدير أيضًا - نزلناه -. وثمت نكتة بلاغية وهي في قوله: ﴿نَزَّلْنَا﴾ التفات من الغيبة إلى التكلم لأن قبله ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ فلو جاء الكلام عليه لقيل: مما نَزَّل على عبده، ولكنه التفت للتفخيم و ﴿عَلَى عَبْدِنَا﴾ متعلق بـ ﴿نَزَّلْنَا﴾.
(٢) سورة الفرقان: ٤١.
(٣) أي أنه أمر معناه التعجيز لأن الله علم عجزهم عنه، وقوله: ﴿فَأْتُوا﴾ أصلها "ائتوا"
مقصور لأنه من باب المجيء قاله ابن كيسان فيما نقله عنه القرطبي في تفسيره (١/ ٢٣٢).
(٤) سورة الرحمن: ٣٣.
(٥) (تضمن) ليست في (أ).
(٦) سورة الطور: ٣٤.
(٧) سورة هود: ١٣.
(٨) سورة الإسراء: ٨٨.
(٩) في "مِنْ" أربعة أقوال: الأول: ما ذكره المؤلف من أنها زائدة وهو قول أبي البقاء العكبري (الإملاء ١/ ٢٤) والأخفش. الثاني: أنها للتبعيض. والثالث: أنها للبيان وهو قول ابن عطية في تفسيره (١/ ١٩٤). والرابع: أنها لابتداء الغاية وبهذا تعود على ﴿عَبْدِنَا﴾ فيتعلق ﴿مِنْ مِثْلِهِ﴾ بأتوا.


الصفحة التالية
Icon