﴿فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي﴾ تحذروا عنها بترك مُوجبها وهو الريب والتكذيب على ما سبق ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ﴾ ولم يقل: الكفار لئلا يأمن العصاة من أهل الإيمان ﴿وَالْحِجَارَةُ﴾ حجارة الكبريت عن ابن عباس وابن مسعود (١) وابن جريج وغيرهم (٢). وقوله ﴿أُعِدَّتْ﴾، أي: هُيَّئَتْ وخُلِقتْ، دليلٌ على أنّها موجودةٌ مخلوقة (٣). وإنما خصّ الكافرين لأنهم هم المخاطبون بقوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ﴾ لا أن النار تصيب المؤمن الفاسق كتخصيص المؤمنين بقوله: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ﴾ (٤) الآية.
فلما ذكر مآل الكافرين أعقبه مقرَّ المؤمنين جميعًا بين الإنذار والتبشير على قضيّة قوله تعالى: ﴿لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (٥) الآية. فقال:
﴿وَبَشِّرِ﴾ أي: فرّح قلوب الذين آمنوا. والبشَارةُ: اسمٌ للخبر الذي يقع به التبشير وقد يُسْتعملُ فيما يسوء. قال الله: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (٦) وهو على

(١) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب، الإمام الحبر فقيه الأمة، أبو عبد الرحمن الهذلي المكي المهاجري البدري. كان من السابقين الأولين، شهد بدرًا وهاجر الهجرتين. مناقبه غزيرة، وروى علمًا كثيرًا عن النبي - ﷺ -. توفي سنة اثنتين وثلاثين، وربما نسب إلى أمه فقيل: ابن أم عبد. قال ابن مسعود: كنَّاني النبي - ﷺ - أبا عبد الرحمن قبل أن يولد لي.
[طبقات ابن سعد (٣/ ١٠٦)؛ السير (١/ ٤٦١)؛ حلية الأولياء (١/ ١٢٤)؛ الاستيعاب (٧/ ٢٠)؛ تاريخ الإِسلام (٢/ ٢٤)؛ الإصابة (٧/ ٢٠٩)].
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (١/ ٦٤) والطبراني في الكبير (٩٠٢٦) والحاكم (٢/ ٢٦١) والبيهقي في البعث والنشور (٥٠٣) والطبري في تفسيره (١/ ٤٠٣).
(٣) ذهب بعض المعتزلة والخوارج إلى أن النار لم تخلق بعد، انظر الفصل لابن حزم (٢/ ٣٩٢). كما استدل كثير من أئمة أهل السنة بهذه الآية على أن النار موجودة الآن لقوله تعالى ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ ووردت أحاديث كثيرة في ذلك كحديث: "تحاجت الجنة والنار" وحديث: "استأذنت النار ربها فقالت: أكل بعضي بعضًا، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء ونفس في الصيف" وحديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: سمعنا وجبة فقلنا: ما هذه؟ فقال رسول الله - ﷺ -: "هذا حجر ألقي به من شفير جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل إلى قعرها" وهو عند مسلم وغير ذلك من الأحاديث المتواترة المعنى. [تفسير ابن كثير ١/ ٨١].
(٤) سورة الأعراف: ٣٢.
(٥) سورة الكهف: ٢.
(٦) سورة آل عمران: ٢١.


الصفحة التالية
Icon