المجاز، كقوله: ﴿يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ﴾ (١) وقيل: هو على الحقيقة لأن ما يسوء من الخبر مؤثر في بشرة الوجه أيضًا. ﴿الصَّالِحَاتِ﴾ الطاعات ﴿أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ﴾ أي بساتين كثيرة الشجر، سُمِّي جنةً لاستتار بقاءه واجتنانها بالأشجار والأنوار (٢). ﴿تَجْرِي﴾ تنسكب ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾ تحت شجرها ﴿الْأَنْهَار﴾ الأخدود الذي يجري فيه الماء. وإنما أُسند إلى الأنهار مجازًا (٣)، كقوله: ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ﴾ وكما في قصة فرعون: ﴿وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ (٤) ﴿كُلَّمَا رُزِقُوا﴾ أُطْعِمُوا من الجنة من ألوان الثمرات ﴿رِزْقًا﴾ طعامًا ﴿قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ﴾ أي من نوع ما رزقنا من قبل، كقولك لإنسان: إنَّ فلانًا أعدّ لك طبيخًا وشواءً، فتقول: هذا من طعامي في منزلي كلّ يومٍ، يريد نوعه لا عينه.

(١) سورة الكهف: ٢٩.
(٢) الأصل في الجَنَّة: مأخوذة من الجنن، تقول: جَنَّ الشيء يَجُنُّهُ جَنًّا إذا ستره، وكل شيء سُتِرَ عنك فقد جُنَّ عنك، وجنه الليل إذا ستره، ومنه قول الهذلي:
وماء وَرَدْتُ على جَفْنِهِ وقد جَنَّهُ السَّدَفُ الأَدْهَمُ
وبه سميت الجن لاستتارهم واختفائهم عن الأبصار، ومنه سمي الجنين لاستتاره في بطن أمه، ومنه جَنّ الليل جنونه إذا استتر بظلمته، ومنه قول الهذلي:
حتى يجيءُ وجنُّ الليلِ يوغلُه والشَّوْكُ في وَضَح الرِّجْلَيْنِ مَرْكُوزُ
وتثلث الجيم فتحًا وضمًا وكسرًا. ففي الفتح (الجَنَّة) تطلق على جنة الآخرة التي أعدها الله لأوليائه الصالحين وفيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ثم أطلقت في الدنيا على البستان قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [الكهف: ٣٩]. أما الضم (الجُنَّة) فتطلق على ما واراك من السلاح واستترت به منه وتجمع على جُنَن ومنه حديث الصدقة "كمثل رجلين عليهما جُنَّتَان من حديد". وأما الكسر (الجِنَّة) قال ابن سيده: الجِن: نوع من العالم سموا بذلك لاجتنانهم عن الأبصار وتجمع على جِنَان قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾ [الصافات: ١٥٨] وقال تعالى: ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)﴾ [الناس: ٦].
[لسان العرب (جنن) ٢١/ ٣٨٧ - النهاية ١/ ٣٠٧].
(٣) إذا قيل بأن الأنهار اسم للماء الجاري فنسبةُ الجَرْي إليهِ حقيقة، وإن قيل بأنه اسم للأخدود الذي يجري فيه فنسبةُ الجَرْي إليه مجاز كقولَ مهلهل:
نُبِّئْتُ أَنَّ النارَ بعدك أُوقِدَتْ واسْتَبَّ بعدَك يا كُلَيْبُ المَجْلِسُ
[الدر المصون ١/ ٢١٤ - تفسير ابن عطية ١/ ١٩٩ - الحماسة ١/ ٤٥٥ - القرطبي١/ ٢٣٩].
(٤) سورة الزخرف: ٥١.


الصفحة التالية
Icon