﴿كَيْفَ﴾ استفهام بمعنى الإنكار (١)، وفيه تبيينٌ أنّه موضعٌ للتعجب المتعجب حيث يكفرون بمن تولى إنْشاءَهُم وحفظهم وإفناءَهُم وإعادتهم من النشأة الآخرة. ويخالفون قضية اللبّ ويكابرون العقل ﴿وَكُنْتُمْ﴾ الواو فيه (٢) للحال و"قد" فيه مضمر (٣) ﴿أَمْوَاتًا﴾ ترابًا غير مُنْتَفعٍ به عن الضحاك (٤) عن ابن عباس (٥)، وقيل: أجسادًا لا روح فيها، يعني في الأرحام ﴿فَأَحْيَاكُمْ﴾ بنفخ الروح ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ بنزع الروح وإذهاب الحياة. ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ عند البعث بنفخ الروح ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ عند البعث للمجازاة. [وقيل: ثُمَّ يحييكم وقت السؤال في القبر] (٦) ﴿ثُمَّ﴾ حرف عطف على سبيل المهلة والتراخي.
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ يدلُّ على أنَّ جميع ما في الأرض من أجساد مخلوق لله تعالى. ويدل على أنّ الأشياءَ على الإباحة في

(١) "كيف" اسم استفهام يسأل به عن الأحوال وبني لتضمُّنِهِ معنى الهمزة وهي في هذه الآية منصوبة على التشبيه بالظرف عند سيبويه، أي: في أَيِّ حالةٍ تكفرون، وعلى الحال عند الأخفش، أي: على أي حالٍ تكفرون والعامل فيها على القولين ﴿تَكْفُرُونَ﴾ وصاحب الحال الضمير في ﴿تَكْفُرُونَ﴾ والمقصود في معنى الاستفهام هذا هو التعجب والتوبيخ والإنكار.
[فائدة بلاغية] وهو الانتقال من الغيبة في قوله ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا...﴾ إلى الخطاب في قوله: ﴿تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ﴾.
[الدر المصون ١/ ٢٣٧ - الإملاء ١/ ٢٧ - الكتاب ٢/ ٤٤].
(٢) (فيه) ليست في (أ).
(٣) الواو- كما قال المؤلف- واو الحال، وعلامتها أَنْ يصلح موضعها "إذْ" وجملة ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾ في محل نصب على الحال، كما أنه لا بد من إضمار"قد" ليصبح وقوع الماضي حالًا.
(٤) هو الضحاك بن مزاحم الهلالي، أبو محمَّد، وقيل: أبو القاسم، صاحب التفسير، كان من أوعية العلم، وكان ممن عني بعلم القرآن عناية شديدة، مع لزوم الورع، وكان معلم كتاب يعلِّم الصبيان فلا يأخذ منهم شيئًا، إنما يحتسب في تعليمهم، توفي سنة اثنتين- وقيل سنة خمس- ومائة.
[سير أعلام النبلاء (٣/ ٥٩٨)؛ صفوة الصفوة (٤/ ١٥٠)؛ مشاهير علماء الأمصار (١/ ١٩٤)؛ تهذيب التهذيب (٤/ ٣٩٧)].
(٥) ابن أبي حاتم (٣٠١).
(٦) ما بين [...] من (ي).


الصفحة التالية
Icon