الأصل (١)، ما لم يكن في تناوله إضرارٌ بخلق الله تعالى والتحريم ثبت بالشرع ﴿ثُمَّ اسْتَوَى﴾ عَمَد وقصد (٢)، كما يقال: فرغ الأميرُ من بلد كذا واستوى إلى بلد كذا. وقال ابن عباس: صعد أمره (٣) ﴿السَّمَاءِ﴾ لفظه لفظ الوحدان (٤)

(١) الأصل في الأشياء الحل والإباحة وإلى ذلك أشار شيخنا محمَّد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في منظومته بقوله:
والأصل في الأشياء حِلٌّ وامْنَع عبادةً إلا بإذن الشارعِ
[المنظومة ١٠٢ بيت نشرت في مجلة الحكمة العدد الأول سنة ١٤١٤هـ].
وهناك أمر آخر في الآية وهو أن المراد بالخلق هو التقدير أي أن ما في الأرض جميعًا خلق بالفعل قبل السماء، ولكنه بين في موضع آخر أن المراد بخلقه قبل السماء هو تقديره وهذا معروف عند العرب أنها تسمي التقدير خلقًا ومنه قول زهير:
وَلأَنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ وَبَعْـ ضُ القومِ يَخْلُقُ ثم لا يَفْرِي
وذلك في قوله تعالى: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ ثم قال: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ الآية.
(٢) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (١/ ٨٨): الاستواء هاهنا تضمّن معنى القصد والإقبال لأنه عدي بـ "إلى". وذهب إمام المفسرين الحافظ ابن جرير الطبري في تفسيره (١/ ٤٥٧) إلى أن الاستواء في هذه الآية معناه: العلو والارتفاع، وأن هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة في تفسير الاستواء. ثم رد على من أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب والذي يدل عليه معنى الآية ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ الذي هو به معنى العلو والارتفاع هربًا عند نفسه من أنْ يلزمه بزعمه أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر، ثم لم ينج مما هرب منه، فيقال له: أزعمت أن تأويل قوله: ﴿اسْتَوَى﴾ أقبل، أفكان مدبرًا عن السماء فأقبل إليها؟ فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل ولكنه إقبال تدبير، قيل له: فكذلك فقل: علا عليها عُلوَّ ملكٍ وسلطانٍ لا علوَّ انتقالٍ وزوال. اهـ. وانظر تفسير البغوي (١/ ٥٩) والقواعد المثلى لابن عثيمين رحمه الله (ص ٥٢).
(٣) الفراء في "معاني القرآن" (١/ ٢٥).
وأخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات" (٨٧٢) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وذكره الطبري في تفسيره (١/ ٢٣٢).
(٤) قوله تعالى ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾ يدل على أن المراد بـ "السماء" الجمع فأخرج مكنيّهن مخرج مَكْنِيِّ الجمع. وواحدها سماوة - كما قال ابن جرير - فهي مثل بقرة وبقر ونخلة ونخل وما أشبه ذلك. ولذلك أنثت السماء مرة، فقيل: هذه سماء. وَذُكِّرَت أخرى فقيل ﴿السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ كما يفعل ذلك بالجمع الذي لا فرق بينه وبين واحدِه غير دخول الهاء وخروجها فيقال هذا بقرٌ، وهذه بقرٌ. وهذا نخلٌ وهذه نخل. اهـ[ابن جرير في تفسيره ١/ ٤٥٨].


الصفحة التالية
Icon