وأما قوله: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠)﴾ (١) لا ينقض هذه الآية، يجوز أنه بسطها بعد ما كانت ربوةً مجتمعة الأجزاء مضمنة الأشياء. وقال مجاهد (٢): بَعْدَ ذلك دحاها، أي: مع ذلك، كقوله: ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (١٣)﴾ (٣) ﴿وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ (٤).
وقيل: ثم لا تقتضي تأخر خلقِ السماء عن خلق الأرض لأنها تقتضي التراخي في الإخبار لا في المخبر عنها، كقوله: ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ - عليه السلام -.
﴿عَلِيمٌ﴾ (٥): عالم بخلقهن، وغير ذلك. والعلم: رؤيةٌ تنفي الجهالة.
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ﴾ نزلت في خُزَّان الجنان وهم ملائكةٌ خلقوا من نار السَّموم، وكان إبليس معهم، وكانوا يُسَمَّونَ الجن، وهذا في رواية الضحاك والسُّدي عن ابن عباس (٦)، وأحدهما يزيد على الآخر. ويحتمل في شأن جميع الملائكة.
واذكر ﴿وَإِذْ قَالَ﴾ وابتدأ خلقكم إذ قال والألف واللام في ﴿الْمَلَائِكَةِ﴾ للجنس. وعن ابن عباس: للمعهود، لأن ذكر هؤلاء كان متقدمًا في الكتب المتقدمة. وواحد الملائكة: ملك، وفي الأصل: مَلأك مقلوب من مَالَك، فقلبت الهمزة استخفافًا (٧)، فقيل: ملك. مأخوذٌ من

(١) سورة النازعات: ٣٠.
(٢) ذكره السيوطي في الدر (٦/ ٣١٣) وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٣) سورة القلم: ١٣.
(٤) سورة التحريم: ٤.
(٥) (عليم) ليست في النسخ.
(٦) الطبري (١/ ٤٥٥) عن ابن عباس.
(٧) مَلْأَك: تجمع على ملائكة. غير أن التي بغير الهمزة أكثر وأشهر في كلام العرب منه بالهمزة فيقولون "مَلك" بحذف الهمزة، ويحركون اللام التي كانت مُسَكَّنَة لو همز الاسم وإنما يحركونها بالفتح لأنهم ينقلون حركة الهمزة التي فيه بسقوطها إلى الحرف =


الصفحة التالية
Icon