لكن ما علمتنا فذلك عَلِمْنَاهُ، وقيل: استثناء متصل، تقديره لا علم لنا إلا العلم الذي علمتنا. ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ﴾ بعواقب الأمور ﴿الْحَكِيمُ﴾ المحققُ المتقنُ في صنعه البعيد عن الهزل والخسائس.
﴿قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ﴾ هذا وحي من الله إليه، وفيه دلالة على بعثه بالنبوة إلى الملائكة كقوله: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي﴾ (١)، وقوله: ﴿وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (٥١)﴾ (٢) ويدل عليه قبل الزلة والتوبة عنها سبقُ التحدي والإعجاز له، وسبق العهد إليه بغير واسطة حيث قال: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ﴾ (٣)، وإنّ زلَّته لم تقع في نبوته، كما لم يقدح في نبوّة نوح سؤاله عما ليس له به (٤) علم وفي نبوة موسى سؤاله الرؤية (٥)، وفي نبوة داود ما خطر بقلبه وفتن (٦)، وفي نبوة نبينا - ﷺ - إذْنُ القاعدين عن الجهاد فعفا الله عنه (٧)، وإذ ثبتت نبوته إليهم كانت أعظم دليل على فضله على الملائكة (٨).

(١) سورة الحجر: ٤٩.
(٢) سورة الحجر: ٥١.
(٣) سورة طه: ١١٥.
(٤) كما في قوله تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (٤٥) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٤٦)﴾ [هود: ٤٥، ٤٦].
(٥) كما في قوله تعالى ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (١٤٣)﴾ [الأعراف: ١٤٣].
(٦) كما في قوله تعالى: ﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (٢٤) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ...﴾ [ص: ٢٤، ٢٥]
(٧) كما في قوله تعالى: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (٤٣)﴾ [التوبة: ٤٣].
(٨) ذكر البغوي في تفسيره (١/ ٤٧) وغيره عشرة أدلة في تفضيل الأنبياء على الملائكة، وفي الجملة يمكن أن يقال إن الجزم في هذه المسألة من الأمور الصعبة جدًا حيث يفتقد فيها النص القاطع من آية أو حديث يُعَيِّن التفاضل بين الجنسين جنس الأنبياء وجنس الملائكة، ولذا توقف الإِمام أبو حنيفة وغيره عن ذلك وذهبت المعتزلة إلى تفضيل الملائكة وأما الأشاعرة فعلى قولين، وذهبت الشيعة إلى أن جميع الأئمة أفضل من جميع الملائكة. ويعجبني ما ذكره العلامة ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة =


الصفحة التالية
Icon