﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ﴾ أي: قلت لكم، كقوله: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ (١). فإن قيل: ثَمَّ: متى قال لهم: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [قلنا هذا الإطناب في إيجاز قوله: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (٢) ﴿غَيْبَ السَّمَاوَاتِ﴾ مكنوناتها. ﴿مَا تُبْدُونَ﴾ تظهرون. ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾: تُخْفُون وتُسرّون. وإنما لم يقل: ما كنتم تبدون وقال: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ لأنه أراد إبداءهم العجز في الحال. وكتمانُهُم من قبلُ: كراهة الخليفة وحبّ المكثِ في الدنيا على وجه الأرض.
وقيل: أراد به كتمان إبليس من قبل عزم العصيان والطغيان والإنكار على ربه، وقد يُسْنَدُ فعلُ الواحد إلى الجماعة مجازًا، كقوله: ﴿أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾ (٣).
﴿وَإِذْ قُلْنَا﴾ واو استئناف أو لعطف قصة على قصة (٤). و"إذْ" صلة

= الطحاوية (ص ٣٣٨) حيث قال ما نصه: "وكنت ترددتُ في الكلام على هذه المسألة، لقلة ثمرتها، وأنها قريب مما لا يعني، و"من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" [أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٤٧٠ - وأحمد في مسنده ١٧٣٧ عن علي بن الحسين مرفوعًا وصححه العلامة الألباني رحمه الله في المشكاة ٣/ ١٣٦١] فإن الواجب علينا الإيمان بالملائكة والنبيين وليس علينا أن نعتقد أي الطرفين أفضل، فإن هذا لو كان من الواجب لبين لنا نصًا، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: ٦٤] وفي الصحيح: "إن الله فرض فرائض فلا نضيعوها.... وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها" فالسكوت عن الكلام في هذه المسألة نفيًا وإثباتًا والحالة هذه أولى. اهـ.
(١) سورة الأعراف: ١٧٢.
(٢) ما بين [...] ليست في (أ).
(٣) سورة يوسف: ٧٠.
(٤) ذهب إمام المفسرين ابن جرير الطبري (١/ ٥٣٥) إلى أن الواو واو العطف فهي معطوفة على قوله: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ﴾ و"إذ" ظرف منصوب بإضمار (اذكر) كما ذهب إليه الفراء ونقله عنه البركوي في تفسيره (١/ ٤٠٨) أي واذكر إذ قال ربك. وهذا معروف لدى النحويين وهو أن الظرف والجار والمجرور لا بد له من متعلق إما مذكورًا أو محذوفًا وجاء في نظم الجُمَل: =


الصفحة التالية
Icon