الإيجاب، إنما يُحمل على غيره بدليل، ثم (١) هذا اللفظ يكون أمرًا لمن هو دونه في الرُّتبة لصيغته، لا يشترط إرادة الأمر، لأنّ الله تعالى أمر بذبح ابن إبراهيم ولم يُرِدْهُ، ولأنّ الإرادة انفصلت عن الأمر، يقال: أُريدُ أن تقصدَ بفعلك كذا، ولكن لا آمرك به، فيُفيدُ الإيجاب دون كونه مرادًا لعدم الإرادة في النهي (٢). ﴿نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ منّتي التي مننتُ على آبائكم بالكتاب والرسول والمنّ والسّلوى والنجاة من فرعونَ والغرق، ورزقتهم (٣) مِنَ الطيبات وفضلتُهُم على عالمي زمانهم ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي﴾ أتموا عهدي الذي أخذتُ عليكم في هذا النبي الأُميّ. وقيل: قرائضي التي فرضْتُ عليكم. الإيفاء والوفاء بمعنى. والعهد: الوصية ﴿أَوْفِ﴾ (٤) مجزوم لأنه جواب الأمر ﴿فَارْهَبُونِ﴾ فخافون في نقض العهد. وقيل: فاخشَوْا مِنْ عذابي في كتمان نعتِ محمَّدٍ - عليه السلام - وصفته. وسقطت الياء لتساوي الفواصل.
﴿بِمَآ أَنْزَلْتُ﴾ بالكتاب الذي أنزلتُ جبريل به ﴿مُصَدِّقًا﴾ موافقًا بالتوحيد وصفةِ محمَّدٍ - عليه السلام - وببعض الشرائع ﴿لِمَا مَعَكُمْ﴾ من التوراة (٥). ومعكم: ظرف يقتضي المقارنة في الغالب وهو صفةٌ لـ "ما" ﴿وَلَا تَكُونُوا﴾ معشر قريظة والنضير أولَ حزب أو قبيلة أو فريق ﴿كَافِرٍ بِهِ﴾ بمحمَّد والقرآن. وقال الفراء (٦): تقديره: أولَ مَنْ كفر به. وعن أبي

(١) (ثم) ليست في (ن).
(٢) يمكننا أن نقسم الإرادة إلى قسمين: القسم الأول: الإرادة الكونية، وهذه تقع وجوبًا فيما أوجبه الله قدرًا أن يقع وتكون فيما يحبه الله وما لا يحبه الله.
القسم الثاني: الإرادة الشرعية. وهذه لا يلزم منها تحقق وقوع المراد فقد يقع وقد لا يقع، وهذه لا تكون إلا فيما يحبه الله لأن الله لا يشرع لعباده إلا ما كان فيه مصلحتهم ونفعهم. وأما قول المؤلف: إن الإرادة انفصلت عن الأمر فهذا لا يوافق عليه - والله أعلم - لأن الله لا يأمر عباده بشيء إلا مريدًا له حتى ذبح إسماعيل - عليه السلام - فإن الله مريد لذلك لمصلحة هو أعلم بها سبحانه وتعالى مع أن المأمور به قد لا يكون مشروعًا بحد ذاته لكنه يكون مشروعًا إذا صدر من المشرع نفسه وهو الله - عَزَّ وَجَلَّ -.
(٣) في (أ): (ورزقناهم).
(٤) (أوف) ليست في (ب).
(٥) في (ن): (التوبة).
(٦) معاني القرآن (١/ ٣٢) وهو قول الأخفش ذكره القرطبي في تفسيره (١/ ٢٢٨).


الصفحة التالية
Icon