حاتم (١): إنه اقتصر بالتأكيد الذي في لفظه أول عن تثنية اللفظ وجمعها، كقوله: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾ (٢).
فإن قيل: كيف نهاهم عن أن يكونوا أول كافر به وقد كفرت به قريش من قبلُ (٣)؟ قلنا: المراد به أولَ من كفر من بعدهم متابعًا لهم، كقوله: ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ (٤)، ويحتمل عند حادثة بعينها. ﴿وَلَا تَشْتَرُوا﴾ تختاروا (٥). ﴿بِآيَاتِي﴾ بكتمانِ نعتِ محمَّدٍ وصفته ﴿ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ عَرَضًا يسيرًا مِنَ المأكل والهدايا من أهل اليسار، وقيل: حبّ الرئاسة لأنهم كانوا متبوعين، ولو آمنوا لصاروا أتباعًا. والآيات: علاماتُ خروج نبينا - عليه السلام - في التوراة. والثمن: اسمٌ للبدل في البيع. والقليل ضدّ الكثير.
﴿وَلَا تَلْبِسُوا﴾ ولا تَخلُطُوا، كقوله: ﴿لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ (٦)، ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ (٧)﴾ (٨)، ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا﴾ (٩). ﴿الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ الصدق بالكذب وهو صفة النبي - عليه السلام - بصفة الرجال. ويُحرفون التوراة عن

(١) هو سهل بن محمَّد السجستاني عالم باللغة والقراءات مات سنة ٢٤٨هـ.
(٢) سورة آل عمران: ٩٦.
(٣) أجاب القرطبي عن هذا الإشكال أن المراد بـ ﴿أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ من أهل الكتاب، وقريش ليسوا من أهل الكتاب.
[القرطبي ١/ ٢٢٨].
(٤) سورة الأنعام: ١٦٣.
(٥) صحّ عن أبي العالية فيما رواه الطبري في تفسيره (١/ ٢٥٣) في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ يقول: لا تأخذوا عليه أجرًا، قال: وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول: يا ابن آدم علِّم مجانًا كما علِّمت مجانًا. اهـ وقيل: معناه لا تبيعوا ما آتيتكم من العلم بكتابي وآياته بثمن خسيس وعرض من الدنيا قليل، وبيعهم إياه: تركهم إبانة ما في كتابهم من أمر محمَّدٍ عليه الصلاة والسلام للناس. ومعنى "لا تشتروا" لا تبيعوا لأن مشتري الثمن القليل بآيات الله بائع الآيات بالثمن، فكل واحد من الثمن والمثمن مبيع لصاحبه، وصاحبه به مشترٍ.
(٦) سورة آل عمران: ٧١.
(٧) (بظلم) ليست في (ب) (ي).
(٨) سورة الأنعام: ٨٢.
(٩) سورة الأنعام: ٦٥.


الصفحة التالية
Icon