وَنُوحًا} (١) الآية، ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (٢) الآية. وتخصيصهم هاهنا لأنهم هُمُ المخاطبون بهذا الخطاب. والتفضيلُ: هو التعبيرُ ذا فضيلة، والفضيلةُ هي: الخَصْلَةُ التي يترجحُ بها الشيءُ على غيره.
﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا﴾ عذابَ (٣) يومٍ أو حسابَ يوم ﴿لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ﴾ لا تنفعُ نفس كافرةٌ ولا نفسٌ مؤمنة لنفس كافرة، كقولهً: ﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (٨٧)﴾ (٤) ﴿يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ﴾ (٥) وقال - عليه السلام -: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" (٦). وإنما لم يقل: لا تجزي فيه نفسٌ، لأن اليومَ إذا أضيف إلى الفعل حُذِفَ منه (٧) "فيه" كقوله: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨)﴾ (٨) ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ﴾ (٩)، ﴿يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ (١٠).
وهذا قول الأخفش (١١). وقيل: انتصاب الظرف يُشبَّه بالمفعول، كقوله: صُمْتُ يومًا ويومًا صُمْتُهُ، وقُمتُ ليلةً، وليلةً قمتها، فتقديره: واتقوا

(١) سورة آل عمران: ٨٧.
(٢) سورة الإسراء: ٧٠.
(٣) وهكذا قدره أبو السعود في تفسيره (١/ ١٢٠) وابن الجوزي في زاد المسير (١/ ٧٦) وانتصاب "يومًا" على أنه مفعول به لا على الظرفية ولذلك لم يقرأ بغير التنوين - قاله الطاهر بن عاشور في (التحرير والتنوير ١/ ٤٨٤).
(٤) سورة مريم: ٨٧.
(٥) سورة طه: ١٠٩.
(٦) الحديث أخرجه أبو داود (٤٧٠٦)، والترمذي (٢٤٣٥)، وابن ماجه (٤٣١٠) وأحمد (١٣٢٢٢)، وابن خزيمة في التوحيد (٢/ ٦٥٢)، والآجري في الشريعة (ص ٣٣٨)، والحاكم (١/ ٦٩)، والبيهقي (١٠/ ١٩٠) عن أنس بن مالك مرفوعًا وإسناده صحيح.
(٧) (منه) ليست في (أ).
(٨) سورة الشعراء: ٨٨.
(٩) سورة الفرقان: ٢٧.
(١٠) سورة إبراهيم: ٤١.
(١١) إمام النحو، أبو الحسن، سعيد بن مسعدة البلخي ثم البصري، أخذ عن الخليل بن أحمد ولزم سيبويه حتى برع. له كتب كثيرة في النحو والعروض ومعاني القرآن؛ مات سنة نيف عثرة ومئتين.
[السير: ١٠/ ٢٠٦].


الصفحة التالية
Icon