﴿فَأَنْجَيْنَاكُمْ﴾ من فرعون ومِنَ الغرق بعد قولكم ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ (١) ﴿وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ﴾ أهلكناهُ وآله حين التطم البحر ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ إلى التطامه عليهم بعد خروجكم منه. وقيل: إلى أشخاصهم بعد ثلاثة أيام حين لفظهُمُ البحر، وحقيقة النظر: تعمّد الرؤية، وهو مستعمل في العين والقلب والأبصار والرؤية والرأي.
﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى﴾ وحقيقة الوعد أن يكون للشيء، فإذا كان على الشيء فهو مجاز، والمراد به التخويف بالجائز الممكن (٢)، كقوله: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ (٣)، وقال - عليه السلام - في دعائه: "يا من إذا وعد وفى وإذا توعّد عفا" (٤). وموسى اسمٌ أعجمي أصلُهُ: موشي، أي: الماء والشجر (٥) لأنهم التقطوه من بين الماء والشجر، فعرّبتهُ العرب. والموعود: ما كان أربعين ليلة من المناجاة ومشاهدة الملكوتِ والآيات وإعطاء التوراة. وقد صام - عليه السلام - وتَنَزَّه عن الشهوات، فكان (٦) يصوم نهارًا ثم ينطلق إلى الميقات بأمر ربه ليلًا، وفيه يقول الله تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ﴾ (٧) والدليل على أن المراد بالأربعين وقتُ المناجاة دون وقت صومه (٨) أنَّ بني إسرائيل

(١) سورة الشعراء: ٦١.
(٢) قوله تعالى ﴿وَاعَدْنَا مُوسَى﴾ إنما هو من باب الموافاة وليس هو من باب الوعد والوعيد في شيء، وإنما هو من قولك: موعدك يوم الجمعة. [القرطبي ١/ ٣٩٤].
(٣) سورة البقرة: ٢٦٨.
(٤) لم أجد له أصلًا في كتب الحديث.
(٥) القبط - فيما يروى عنهم - يقولون للماء: مو، وللشجر: شا حتى إذا ما وجد موسى بين الماء والشجر أطلق عليه موشا على لغة الأقباط ثم حولت إلى موسى، وذكر ابن إسحاق نسبه فقال: هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.
[تفسير السمعاني ١/ ٤٨١].
(٦) في (ي) و (أ) مكان.
(٧) سورة الأعراف: ١٤٢.
(٨) وذهب القرطبي والسمعاني إلى أن المراد بالأربعين انقطاعه إلى الصوم، ولا مانع أن يكون جمع بينهما - أي جمع بين الصوم والمناجاة - ولا منافاة في ذلك. =


الصفحة التالية
Icon