طَعَامٍ وَاحِدٍ} فقال موسى تهديدًا وتقريعًا: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾ (١)، وليس لهم إلى ذلك سبيل لحبس الله إياهم في التيه إلى أن توفي الله هارون وموسى عليهم السلام أو استأثرهم وهم في التيه بعد، ثم قادهم يوشع بن نون بعد ذلك من التيه إلى قتال الجبابرة [وأخذ الأرض المقدسة ففتح اللهُ له أريحا ثم إيليا ثم بلقاء وهي العظمى، فكان بالق مالك الجبابرة]، (٢) وبلعم بن باعوراء صاحب الاسم الأعظم فيها، فخذلهم اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وفيها أُنْزِلَتْ: ﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾، وقيل: نزلت في إيليا وهي آخر بيت المقدس، وبابُ حطة معروف بها (٣)، وفتح الله على يديه بعد ذلك الجبال وسائر بلاد العواصم، والدخول هو الولوج، و (هذِهِ) تأنيث (القريَةَ) بقعة يجتمع الناس فيها، ويُقال للحوض: المِقْرَاة؛ لأنَّ الماء يجتمع فيه (٤)، وقريةُ النمل: جُحرها. والمراد بها بلدة. والأكل: حقيقة التلف والاستراط ويستعمل في الإنفاق مثل: أكل الدراهم والدنانير، ويستعمل في الاستيلاء (٥)، قال - عليه السلام -: "أُمِرْتُ بقريةٍ تأكُلُ القُرى" (٦) يعني المدينة. وأراد هاهنا: الإنفاق والتوسعة. وقوله: ﴿سُجَّدًا﴾ منحنين (٧) متواضعين لله - عَزَّ وَجَلَّ - (٨). ورُوِيَ أنه - عليه السلام - دخل يوم الفتح مَكَّة وقد بلغ عُثْنُونُهُ (٩) سرجه تواضعًا لله.
(٢) ما بين [...] ليست في "ن".
(٣) والصحيح أن البلدة المشار إليها في الآية هي بيت المقدس، وهو الذي رجحه ابن كثير. وقال ابن عطية: هو قول الجمهور [ابن جرير (١/ ١٠٢) - ابن أبي حاتم (١/ ١٨١) - ابن كثير (١/ ٩٨) - زاد المسير (١/ ٨٤) - الثعلبي (١/ ٧٧)].
(٤) انظر: تهذيب اللغة (٩/ ٢٦٩) ومعجم مقاييس اللغة (٥/ ٧٨).
(٥) في "أ": (الإيلاء).
(٦) الحديث في صحيح البخاري (٤/ ٦٩) - ومسلم (٩/ ١٥٤) - ومالك في الموطأ (٣/ ٨٤) وغيرهم.
(٧) في "ن": "منخرين".
(٨) أراد المؤلف بالانحناء الركوع، وهذا هو تفسير ابن عباس - رضي الله عنهما - لمعنى كلمة ﴿سُجَّدًا﴾ فقد أخرج الطبري في تفسيره (١/ ٧١٤) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: ﴿سُجَّدًا﴾ قال: ركَّعًا، من باب صغير.
(٩) كتب في النسخة "ي": (أي بلغ لحيته قرب سرجه) اهـ. =