الأنهار، كقولهم: سأل الميزابُ أو الوادي. ﴿يَشَّقَّقُ﴾ يتشقَّق (١) وينفلق. ﴿فَيَخْرُجُ مِنْهُ﴾ بَلَلٌ وماءٌ لا يبلغ الأنهار، وهذا يدلُّ على جواز التضمين والتوليد (٢). ﴿مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ أي: من سبب خشية الله، وهذا يدلُّ على أن الجوهرَ محلٌّ للمعاني من الإرادة والتميز والخشية والنطق والألم واللذة إن أوجدَ اللهُ فيه (٣)، سواء كانت فيه الحياة والقدرة أو لم تكن، ولأنه لا تعلُّقَ لهذه المعاني بالحياة (٤) والقدرة كالظهور والخفاء والقيام والبقاء بخلاف الكسب والاختيار لأنهما مختصَّان بالحياة. لأنا نشاهد الجمادَ واهتزازَه ونضارَتَهُ وذبولَهُ وتعرِّي الحيوان عن هذه المعاني كلها أو بعضها. وهذه المسألة يمكن أن تبتنى على مسألة عذاب القبر أو تبتنى مسألة عذاب (٥) القبر عليها. والغافل: نقيض الخبير، وقد تكون نقيض المشغول، يقال: غفل عنه أي شُغِلَ عنه.

(١) (يتشقق) ليست في "ب".
(٢) التوليد: أن يحصل الفعل عن فاعله بتوسط فعل آخر كحركة المفتاح بحركة اليد. انظر: التعريفات، للجرجاني ص ٧٨.
(٣) هذا إذا حملناه على الحقيقة في إسناد الهبوط إليها - أي إلى الحجارة - على معنى أن الله خلق فيها قابلية في ذلك والله على كل شيء قدير على حد قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ وهذا ما ذهب إليه المؤلف.
وذهب بعضهم إلى أن إسناد الهبوط من خشية الله إلى الحجارة هو استعارة وليس حقيقة على حد قول الشاعر [البيت لجرير]:
لما أتى خبرُ الزبيرِ تواضعتْ سورُ المدينةِ والجبالُ الخُشَّعُ
وأرى أن القول الأول وهو ما ذهب إليه المؤلف أقرب للصواب والله أعلم. وهناك من الشواهد ما يدلُّ على إمكان ذلك في الجمادات بإرادة الله، ومنه قصة الجذع الذي كان يستند إليه رسول الله - ﷺ - إذا خطب، فلما تحوَّل عنه حَنَّ [أخرجه البخاري من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - (٣٥٨٤)] وكالذي روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "إنَّ حجرًا كان يُسَلِّمُ عليَّ في الجاهلية، إني لأعرفه الآن" [أخرجه مسلم من حديث جابر بن سمرة (٢٢٧٧)].
[الإملاء (١/ ٤٥) - ديوان جرير ص ٢٤٥ - الخصائص (٢/ ٤١٨) - الدر المصون (١/ ٤٣٩) - الطبري (٢/ ١٣٧).
(٤) (الحياة) ليست في "ب"، وفي "أ": (في الحياة).
(٥) (مسألة عذاب) ليست في "أ".


الصفحة التالية
Icon