وقوله: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ﴾ نزلت في شأن المؤمنين (١) حيث طمعوا في شهادة اليهود لهم ورَجَوْا نصرهم إياهم على مشركي العرب. والطمعُ قريبٌ من الرَّجاء والتوقع، قال إبراهيم: ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي﴾ (٢) وهذا يقتضي تفخيم الطمع وتبعيد [ما طمعوا فيه ثم بيّن جهة التفخيم والتبعيد] (٣) فقال: ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾ أي: طائفةٌ وقطعةٌ منهم وهم الأحبار (٤) يسمعون كلام الله من رسلهم.
﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾ يعوجونه باللحن، كقولهم: هطا (٥) مكان حطة أو التأويل كتوجيههم الخطاب في التوراة بقوله: تمسَّكوا بهذه الشريعة أبدًا ما دامت رؤوسكم على أبدانكم أو ما دامتِ السماوات والأرضُ، إلى المكلفين بشريعة صاحب الحمار وصاحب الجمل المذكورين في التوراة المرسلين بالإعجاز وهما: عيسى ابن مريم، ومحمد خاتم النبيين صلوات الله عليهما وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، فهذا ونحوه (٦) تحريفهم.
﴿مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ﴾ أي: فهموهُ. ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ معناه: وقت التفهُّم أو يعلمون أنَّهم محرفون. ويُروى أن المراد بالفريق: مَنْ حَرَّفَ كلام الله من جملة السبعين الذين كانوا مع موسى - عليه السلام - وذلك أنهم سمعوا كلام الله (أنا الله ربكم لا إله إلَّا أنا الحيُّ القيُّوم) (٧) فلا تعبدوا إلهًا غيري

(١) الخطاب موجه إلى النبي محمد - ﷺ - وأصحابه يواسيهم في ذلك، وهذا قول ابن عباس - رضي الله عنهما -، أخرجه ابن أبي حاتم (١/ ١٤٨).
(٢) سورة الشعراء: ٨٢.
(٣) ما بين [...] ليست في "أ".
(٤) أي أن أحبارهم وعلماءهم هم الذين يقومون بالتحريف أي تحريف التوراة، هكذا قال مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم عنه في تفسيره (١/ ١٤٩) وعزاه السيوطي في الدر المنثور إلى عبد بن حميد. وأخرجه الطبري أيضًا عن مجاهد في تفسيره (٢/ ١٤١).
(٥) في "ب": (حطا).
(٦) في "ب": (نحوهم).
(٧) قال القرطبي: هذا حديث باطل لا يصح، رواه ابن مروان عن الكلبي وكلاهما ضعيف لا يحتج به، وإنما الكلام شيء خُصَّ به موسى من بين جميع ولد آدم. اهـ.
[تفسير القرطبي (٢/ ٢)].


الصفحة التالية
Icon