ولا تشركوا بي شيئًا ولا تجعلوا لي شَبَهًا، فلما سمعوا ذلك خرجت أرواحهم (١) من أجسادهم ثم عادت إليها فقالوا - وهم سجود -: إنَّا لا نستطيع كلام ربنا فكُنْ أنت يا موسى بيننا وبين ربنا، فكانوا يسمعون بواسطة موسى - عليه السلام - بعد ذلك، فلما رجعوا إلى قومهم سألهم قومهم فصدقوهم المقال إلا الذين لم يُرِدِ الله أن يطهِّرَ قلوبَهُم فإنَّهم حرَّفوا وقالوا: إنَّ الله - عَزَّ وَجَلَّ - أتْبَعَ أوامره ونواهيه قوله: إنْ لم تستطيعوا فلا عليكم وافعلوا كذا وكذا. فعيَّر اللهُ تعالى كفرة بني إسرائيل في وقت النبي - عليه السلام - بمتقدِّميهم أولئك.
﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ مَنُوا﴾ نزلت في منافقي أهل التوراة (٢).
﴿أَتُحَدِّثُونَهُمْ﴾ ألف الاستفهام للتقريع واللوم (٣). والتحديث كالتكليم، الحديث هو الكلام. و (مَا) في محل الجر بالباء وتقديره: بحديث ﴿بِمَا فَتَحَ اللَّهُ﴾ قال مجاهدُ والسُّدِّيُّ (٤): بما حكم اللهُ عليكم مِن المسخ والعذاب أو الإيمان والنصرة، وعن ابن عباس والحسن وأبي العالية وقتادة (٥): هو حلُّ ما ينعقد وينغلق، أي: بما كشف الله عليكم من نعت

(١) (أرواحهم) ليست في "أ".
(٢) يقصد اليهود، وهذا مذكور عند الطبري (٢/ ٢٤٩) عن ابن عباس، وابن أبي حاتم (٧٧٨) عن الربيع بن أنس.
(٣) يتغير معنى الاستفهام في الآية بناءً على الاحتمالين في المعنى وفق ما ذكره المؤلف، فيكون الاستفهام بمعنى التقريع إذا كان المعنى أتحدثون بما بُيِّنَ لكم في نعت محمد - ﷺ -.
ويكون الاستفهام بمعنى الإنكار فيكون المعنى: بأن يقول الذين نافقوا لبقاياهم: أتحدثونهم؟ إنكارًا عليهم إخبار شيء من كتابهم لإظهار التصلب في اليهودية بمنع إبداء ما وجدوا في كتابهم فينافقون الفريقين.
[مقدمة المفسرين للبركوي (١/ ٥٧٦) - الكشاف (١/ ٧٧) - البيضاوي (١/ ٣٣٤)].
(٤) ابن جرير (٢/ ١٤٨)، وابن أبي حاتم (٧٨٣، ٧٨٢) وذكره ابن كثير في تفسيره (١/ ١٦٦).
(٥) أما عن ابن عباس - رضي الله عنهما - فأخرجه الطبري (٢/ ١٤٦)، وأما عن أبي العالية وقتادة فأخرجه أيضًا الطبري (٢/ ١٤٧) أما عن الحسن فلم أجده.


الصفحة التالية
Icon