والعدم، إنما أعني بالواحد: الجزء الذي لا يضمن العدد في نفسه، بالعدم: ما لا (١) يثبت معقولًا موجودًا، وقد حصل العرفُ بإطلاق العدد على الجمع القليل، قال اللهُ تعالى: ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ (٢) و ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾ (٣) و ﴿دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾ (٤) و ﴿أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾ (٥) و ﴿لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ﴾ (٦). وذلك لأن عدَّ الجمع القليل في مقدور العامة بخلاف الجمع الكثير. وحرف الاستفهام (٧) هاهنا للتلجئة إلى أحد معنيين: إما إثبات الخلاف بإبراز الحجة، أو الاعترافُ بثبوت ما يدَّعيه الخصم، نظيرُهُ قوله: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧)﴾ (٨) وقوله: ﴿أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ﴾ (٩). وقيل: ألف الاستفهام هاهنا للإنكار و (أم) بمعنى: بل (١٠). وإنما لم يقل: اتخذتم لأن همزة الوصل للابتداء، وقد أمكنَ الابتداءُ هاهنا بغيرها فلم يثبت. وإخلافُ الوعد والعهد: تقليبهما عن وجوههما. والمخالفة: المضادة.
(٢) سورة البقرة: ١٨٤.
(٣) سورة البقرة: ٨٠.
(٤) سورة يوسف: ٢٠.
(٥) سورة هود: ٨، والآية ليست من "ب".
(٦) سورة هود: ١٠٤.
(٧) الهمزة في قوله: ﴿اتَّخَذْتُمُ﴾ للإنكار والتقريع، وبه استغني عن همزة الوصل الداخلة على "اتخذتم" كقوله ﴿افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [سبا: ٨] وقوله تعالى: ﴿أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣)﴾ [الصافات: ١٥٣] وهذا أحد الأوجه التي ذكرها المؤلف أنها للإنكار.
[الدر المصون (١/ ٤٥٣)].
(٨) سورة النازعات: ٢٧.
(٩) سورة الزخرف: ٥٨.
(١٠) "أم" هنا: إما متصلة فتكون معادلة بين الشيئين، والتقدير: أي هذين الأمرين واقع، وأخرجه مخرج المتردد فيه وإن كان عالمًا بوقوع أحدهما.
وإما أن تكون منقطعة: فلا تكون عاطفة وتقدَّر بـ "بل" والهمزة، والتقدير: بل أتقولون. [الكشاف (١/ ٧٨) - البيضاوي (١/ ٧١) - الدر المصون (١/ ٤٥٤) - مقدمة المفسرين للبركوي (١/ ٥٨٥)].