واختلف في قوله: ﴿سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ فحمله بعض المفسرين على الاعتراف والاستيعاب. وبعضهم جعل (١) ﴿سَمِعْنَا﴾ من إدراك المسموع لا من الإجابة، وقوله: ﴿وَعَصَيْنَا﴾ تمردٌ وإِباء، وحمل بعضهم قولهم: ﴿سَمِعْنَا﴾ في وقت ﴿وَعَصَيْنَا﴾ في وقت آخر، ﴿وَأُشْرِبُوا﴾ أى سُقُوا، والإشراب قريبٌ من السقي حقيقة ومن المزج مجازًا، يقال: وجهٌ مُشْرَبٌ حُمرةً ودمًا، ورُوِيَ عن بعضهم ما يدلُّ على حقيقة الشرب، قال: أنكر بعضهم عبادة العجل، فلما نُسِفَ العجلُ في اليمِّ نَسْفًا أُمروا بشرب ذلك الماء فتشرب قلوب المنافقين، وظهرت العلامة على وجوههم فأخذوا وقُتلوا. والواو (٢) في (أُشربُوا) ضمير ذوي القلوب (٣) وهُم الذين قالوا: ﴿سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ وقوله: ﴿فِي قُلُوبِهِمُ﴾ كنوع إبدال البعض من الكل، كقولك: ضربتُ زيدًا على صدره. و ﴿الْعِجْلَ﴾ قائم مقام المضاف إليه، وتقديره: حبَّ العجلِ، وعلى القول الآخر: أجزاء العجل مما نُسِفَ مع الماء الذي شربوه، ﴿بِكُفْرِهِمْ﴾ بشؤم كفرهم (٤)، وهو قولُهُم السابق ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ (٥) وغيره من الإباء والعناد والتُّهمة.
﴿قُلْ﴾ أمرٌ من القول لما حذفت الواو أُعطيَت القاف حركتها وقعَ الاستغناءُ عن همزة الوصل. ﴿بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ﴾ كقولك لسفيه
(٢) في "أ": (قالوا).
(٣) الواو في "أُشْرِبُوا" هي المفعول الأول قامت مقام الفاعل، والمفعول الثاني هو "العجل" لأن "شرب" يتعدى بنفسه، فأكسبته الهمزة مفعولًا آخر ولا بدَّ من حذف مضافين قبل "العجل". والتقدير: وأُشربوا حُبَّ عبادةِ العجلِ. وحسن حذف هذين المضافين للمبالغة في ذلك حتى كأنه تصوَّر إشراب ذات العجل. بل ذهب بعض المفسرين كما ذكره المؤلف إلى أن الإشراب هنا حقيقة حيث إن موسى - عليه السلام - بَرَد العجل بالمبرد ثم جعل تلك البرادة في ماء وأمرهم بشربه، وهذا القول قال به السدي وابن جريج وفيه بُعْد، ويردُّه قوله تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمُ﴾.
[الإملاء (١/ ٥٢) - البحر (١/ ٣٠٩) - الدر المصون (٢/ ٥)].
(٤) (بشؤم كفرهم) ليست من "أ".
(٥) سورة الأعراف: ١٣٨.