متعاقل: بئسما يأمرُكَ عقلُك شتم الناس (١)، أو لغاشٍّ يدعي الأمانة: بئسما تأمرك الأمانةُ إن كُنْتَ أمينًا. ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ والكونُ في مثل هذا الموضع للإثبات في الحال دون الماضي من الزمان، وتقديره: إن أنتم مؤمنون.
﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ نزلت في اليهود حيث زعموا أنهم يبعثون ويُثابون، وسائر الناس لا بَعث لهم ولا نشورَ (٢). والمراد بـ ﴿الدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ الجنة. وإنما توجه عليهم تمني الموت بهذه الدعوى لمعنيين، أحدهما مجمعٌ عليه، لأنهم لو باينوا سائر الناس في حكم البعث والنشور لباينوا في حكم كراهة الموت وتمنِّيه، ودليلُهُ رجلان في حبس حُكِمَ على أحدهما أن يخرجَ فيُقتل وحُكِمَ على الآخر أن يخرج فيُطلق.
والآخر مختلف فيه وهو جواز التمني لمن يرجو ثواب الله وعفوه، مِنَ العلماء مَنْ يجيزُهُ ومنهم (٣) من لا يجيزه (٤).
و (مِنْ) في قوله: ﴿مِنْ دُونِ النَّاسِ﴾ (٥) صلة، كما في قولك: من

(١) (شتم الناس) ليست في، أ".
(٢) لما زعمت اليهود ما زعمت من أنهم يبعثون ويثابون دعاهم النبي - ﷺ - إلى المباهلة وقال لهم: إن كنتم محقِّين فتمنّوا الموت فإن ذلك غير ضاركم، فامتنعت اليهود من إجابة دعوة النبي - ﷺ - إلى المباهلة لعلمها أنها إن تمنَّت الموت هلكت كما امتنع فريق النصارى الذين جادلوا النبي - ﷺ - في عيسى - عليه السلام - إذ دُعُوا إلى المباهلة، ولذا قال النبي - ﷺ -: "لو أن اليهود تمنَّوا الموت لماتوا، ولرأوا مقاعدهم من النار" ولو خرج الذين يباهلون رسول الله - ﷺ - لرجعوا لا يجدون أهلًا ولا مالًا [أخرجه الإمام أحمد في مسنده (٤/ ٩٩) - والنسائي في السنن الكبرى ١١٠٦١ - وأبو يعلى ٢٦٠٤ كلهم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعًا وإسناده صحيح].
(٣) (ومنهم) ليست في "ب".
(٤) الأصل أنه لا يجوز للمسلم أن يتمنى الموت مهما كانت المصيبة التي ألمَّت به لقول النبي - ﷺ -: "لا يتمنينَّ أحدكم الموت لضرٍّ أصابه، فإن كان لا بدَّ فاعلًا فليقل: اللهمَّ أحيِني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفَّني ما كانت الوفاة خيرًا لي". [أخرجه البخاري (٤/ ١٩٦) ومسلم (٨/ ٦٤) والنسائي (١/ ٢٥٨) وغيرهم عن أنس بن مالك مرفوعًا. ولذا كما نصَّ عليه الحديث: "إن كان متمنِّيًا ولا بد فليقل: اللهمَّ أحيِني... " الحديث.
(٥) هذا من "ي" وفي بقية النسخ: (من دون الله) وهو خطأ.


الصفحة التالية
Icon