﴿وَاتَّبَعُوا﴾ افتعال من تبع يتبع. ﴿مَا تَتْلُو﴾ مستقبل بمعنى الماضي (١). ﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ (على) بمعنى في (٢)، كانت الشياطين تقرأ السحر فيتلقى منهم مردة الإنس، وقيل: تقديره: على عهد ملك سليمان، وزعموا أنه كان يضبط أمره بالسحر واستخرجوا من تحت سريره كتابًا من السحر كتبوه بأيديهم، ويروى أن سليمان - عليه السلام - دفنه توهينًا وإبطالًا فسمَّوه كفرًا (٣)، فبرَّأه الله مما قالوا على لسان نبيِّنا - عليه السلام -. وهو سليمان بن داود بن إيشا الذي فهَّمه الله حكم الغنم والحرث وهو صبي، وآتاه النبوة والملك العظيم الذي لا ينبغي لأحد من بعده، وظاهر الآية يقتضي أن الشياطين كانوا يعلِّمون الناس نوعين من السحر: ما هو من تلقاء أنفسهم وما أخذوه من ﴿هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ اسمان أعجميان (٤) مثل: طالوت وجالوت. وقيل:

(١) مجيء المستقبل بمعنى الماضي وارد في كلام العرب، ومنه قول زياد الأعجم:
وإذا مررتَ بقبرِهِ فاعْقِرْ بهِ كُوَمَ الهجانِ وكلَّ طرفٍ سابحِ
وانضحْ جوانبَ قبره بدمائها فلقدْ يكونُ أخادمٍ وذبائحِ
أي: فلقد كان، والكوم: هي الناقة العظيمة السنام.
[أمالي القالي (٣/ ٨) - أمالي الشجري (١/ ٣٠٤) - القرطبي (٢/ ٤٢)].
(٢) وقيل إن "على" على بابها، ويضمن ﴿تَتْلُو﴾ معنى: تتقوَّل، أي: تتقوَّل على ملك سليمان، وتَقَوَّلَ: يتعدى بـ "على"، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤)﴾ [الحاقة: ٤٤] وهذا أولى مما ذكره المؤلف -والله أعلم- لأن التجوز في الأفعال أولى من التجوز في الحروف، وهو مذهب البصريين. [الدر المصون (٢/ ٢٨)].
(٣) في "أ": (كنزا).
(٤) ذكر بعض المفسرين قصة عن أصل هاروت وماروت وهو ما روي عن ابن عمر عن كعب الأحبار، وأخرجها الإِمام أحمد في مسنده مرفوعة إلى النبي - ﷺ - (٩/ ٣٥) ونصها: "إن الملائكة تعجَّبوا من كثرة معاصي بني آدم فقال لهم الله تعالى: لو أنزلتكم إلى الأرض وركبت فيكم ما ركبت فيهم لفعلتم مثل ما فعلوا. فاختاروا من خيارهم ملكين هاروت وماروت فأنزلهما الله تعالى إلى الأرض وأخذ عليهما أن لا يشركا ولا يقتلا ولا يزنيا. قال كعب: فما مضى عليهما اليوم إلا وقعا الكل".
وهذه القصة ذكرها الطبري في تفسيره (٢/ ٤٣٠) -والبغوي (١/ ٨٩) - وابن كثير (١/ ١٩٩) - وأبو حيان في البحر (١/ ٣٢٩) وغيرهم، وقال ابن كثير: وحاصلها =


الصفحة التالية
Icon